أخبار عاجلة

الثورة الصناعية الرابعـة بين الفرص والمخاطر

الاثنين 02 مايو 2016 10:30:07 مساءً

يعتبر كثير من المؤرخين ان الثورة الصناعية الأولى ارتبطت بظهور المحرك البخارى وأن الثانية مرتبطة بادخال الكهرباء الى العملية الصناعية وأن الثورة الثالثة بدأت عندما تم الاستعانة بالكومبيوتر .

 

حديثا تم الاعلان فى منتدى دافوس يناير 2016 فى دورته السادسة والاربعين عن بداية الثورة الصناعية الرابعة.

 

بدأت الثورة الصناعية الأولى في إنجلترا منذ عام 1760 وحتى 1820 ثم انتقلت بعدها إلى دول غرب أوروبا ومنها إلى جميع أنحاء العالم وبها حلت الآلة محل الانسان بشكل جزئي وحدث تحسين لكفاءة الطاقة المائية وزيادة فى استخدام الطاقة البخارية وظهور نظام المصانع. سيطرت صناعة المنسوجات على الثورة الصناعية الأولى و أدت في بريطانيا إلى ثورة زراعية ساهمت في تجمع رصيد ضخم من الأموال نتيجة التجارة الواسعة بين مستعمراتها فأدى لانتشار البنوك التي شجعت العديدين على الاقتراض وإقامة المشاريع الصناعية.

 

وتزامن ظهور الآلات وانتشارها الكبير مع الاحتياج إلى مصادر جديدة من الطاقة، تم استخدام الفحم الحجري ثم البخار ثم الكهرباء من أجل تشغيل المحركات والآلات والسفن والقاطرات.

 

الثورة الصناعية الأولى أدت الى ظهور وسائل النقل وتسهيل عمليات التنقل بين المدن والبلدان. كما أدت إلى ظهور النظام الرأسمالي في الاقتصاد الذي يقوم على حرية العمل والمبادلات. من الناحية الاجتماعية أدت الى ظهور طبقتين رئيسيتين هما طبقة أرباب العمل وطبقة العمال، حدثت بينهما مواجهات عديدة ، مما أدى لتدخل الدولة للحد من تلك المواجهات من خلال التشريعات الخاصة بساعات العمل، والاجور والتأمين الصحي على العمال، والتأمين ضد الحوادث وغيرها.

 

تعرف الثورة الصناعية الثانية بالثورة التكنولوجية. بدأت هذه الثورة منذ منتصف القرن التاسع عشر وحتى الحرب العالمية الأولى مع اكتشاف طريقة بسمر لتصنيع الصلب في ستينيات القرن التاسع عشر (أول عملية صناعية غير مكلفة لإنتاج كميات من الصلب المنصهر من الحديد الخام). تطورت هذه الثورة بشكل متسارع في دول أوروبا الغربية والولايات المتحدة واليابان وتمحورت حول صناعة الصلب والسكك الحديدية والكهرباء والمواد الكيميائية وساهمت في انتاج نطاق واسع من النظم التكنولوجية الحديثة التي لم تكن معروفة من قبل مثل محرك الاحتراق الداخلى والطائرت والصور السينمائية المتحركة والتليجراف وشبكات الغاز والمياه والصرف الصحي والسكك الحديدية كما بشرت بعصر الانتاج الشامل ذي الكميات الضخمة .

 

الثورة الصناعية الثالثة هي العصرالرقمي للتصنيع. أخذت تكلفة إنتاج كميات قليلة من منتجات متنوعة تناسب الأذواق المختلفة في الثورة الحالية بالتناقص نتيجة التقنيات المذهلة من برمجيات متطورة وروبوتات مساعدة وأساليب جديدة في التصنيع مثل الطابعات ثلاثية الأبعاد مع مجموعة متكاملة من خدمات الإنترنت.تمثل الثورة الصناعية الثالثة التحول من عصر الميكانيكي والكهربائي إلى العصر الرقمي. ارتبطت هذه الثورة بما يطلق عليه اسم عصر المعلومات، لتصبح هذه الثورة هي قلب العولمة التي يعيشها العالم حالياً. يوجد اليوم عدد كبير من المصانع العملاقة التي تدار بشكل جزئي بواسطة الروبوتات وأجهزة الذكاء الصناعي، لكن هذه المصانع لاتزال تعمل بمراقبة و تدخل مستمرين من البشر.

 

بمقارنة اتجاهات الثورات الصناعية نجد أن الثورة الصناعية الأولى استخدمت الماء والبخار من اجل ميكنة الإنتاج. أما الثانية فقد استخدمت الطاقة الكهربائية من اجل الإنتاج الواسع. واستخدمت الثالثة الالكترونيات وتكنولوجيا المعلومات من اجل التشغيل الاتوماتيكى للإنتاج. وتستند الثورة الصناعية الرابعة على الثورة الرقمية التي بدأت منذ منتصف القرن الماضي وتمتاز بمزجها للتقنيات التي تلغي الحدود الفاصلة بين كل ما هو فيزيائي ورقمي وبيولوجي.

 

الثورة الصناعية الرابعة: تنبأ بها الألمان منذ5 أعوام. هذه الثورة استمدت تسميتها من مبادرة تمت عام2011 من قبل رجال أعمال وسياسيين وأكاديميين قاموا بتعريفها على أنها وسيلة لزيادة القدرة التنافسية للصناعات التحويلية في ألمانيا من خلال زيادة دمج “الأنظمة الإلكترونية الفيزيائية في عمليات التصنيع".

 

 ملخص الأمر هو زيادة دمج أنظمة آلات يتم التحكم بها إلكترونياً. هذه الأنظمة تمثل آلات ذكية متصلة بالإنترنت، سيكون دور مديري المصانع هو خلق وتكوين شبكة من الآلات التي تقوم بعمليات الانتاج بأقل قدر من الأخطاء، مع قدرتها على تغيير أنماط الانتاج بشكل مستقل وذاتي وفقاً للمدخلات الخارجية التي تحصل عليها مع احتفاظها بدرجة عالية من الكفاءة. هذه الآلات متصلة بالإنترنت وبالتالي هي على اطلاع بما يحتاجه العالم من منتجات قد تتغير فيها الأذواق، وبالتالي تقوم بتغيير أنماط وأشكال وحتى ألوان ما تقوم بتصنيعه طبقاً لحاجة العالم في الخارج.

 

واحدة من أكثر الجوانب الملموسة للثورة الصناعية الرابعة ستكون فكرة تصميم الخدمات الموجهة. عن طريق قيام الزبائن أنفسهم باستخدام إعدادات المصنع نفسه لإنتاج منتجاتهم الخاصة (ستقوم أنت بالدخول على تطبيق المصنع على هاتفك الذكي وتعطيه مواصفات المنتج الذي تريده ليقوم بتصنيعه على الفور بشيك أوتوماتيكي كما لو أنك دخلت على حسابك البنكي وقمت بتحويل مبلغ ما لحساب آخر). من جهة أخرى فإن هذا الأمر معناه أن عملية التغذية الراجعة الخاصة بالمنتجات المصنعة ستكون ذاتية أى ان المنتجات المصنعة ستتواصل بشكل تلقائي ودائم مع المصنع نفسه، فلو أن هاتفك الذكي على سبيل المثال عرف موعد نهاية عمره الافتراضي في المستقبل القريب، فسيقوم الهاتف بإعطاء ملاحظة للمصنع والذي سيقوم بدوره بتغيير مستويات انتاجه ليعكس المعلومات التي منحها إياه هاتفك الذكي.

 

هناك ثلاثة صفات رئيسية تعتبر علامات على دخول الثورة الصناعية الرابعة: السرعة والنطاق ونظم التأثير. أن السرعة في التغييرات الحالية ليس لها سابقة في التاريخ. بالمقارنة مع الثورات الصناعية السابقة ، علاوة على أنها تطال كل صناعة تقريبا في كل بلد. وأن سعة وعمق هذه التغييرات تبشر بتحول لجميع نظم الإنتاج، والإدارة، والحوكمة.

 

تأثير الثورة الصناعية الرابعة:

 

أن تسارع وتيرة الابتكارات والتغييرات لا يمكن توقعهما ، وهناك أدلة واضحة على أن التقنيات التي تستند إليها الثورة الصناعية الرابعة لها تأثير كبير على الأعمال التجارية.

 

بالنسبة للعرض تشهد العديد من الصناعات تكنولوجيات جديدة تخلق طرقا جديدة تماما لخدمة الاحتياجات القائمة وتحدث تغييرا كبيرا في قيمة الصناعات القائمة من خلال تحسين الجودة والسرعة، أو سعر السلع او الخدمات وكل ذلك بفضل المواقع العالمية الرقمية للبحث والتطوير، والتسويق، والمبيعات، والتوزيع.

 

كما سيشهد قطاع الطلب تحولات رئيسية حيث ان تزايد الشفافية، ومشاركة المستهلكين، والأنماط الجديدة من السلوك الاستهلاكي - الذي بني بشكل متزايد على الوصول إلى شبكات وبيانات الهاتف النقال - ستجبر الشركات على تبني طرق المستهلكين في تصميم وتسويق وتسليم السلع والخدمات.

 

يشمل تأثير الثورة الصناعية الرابعة العديد من النطاقات التى تتحكم فى مسار البشرية: على الشركات – على الحكومات -  الامن الوطنى – الامن الدولى - الافراد

 

بالنسبة الى تأثير الثورة الصناعية على الحكومات فإن استمرار تداخل العوالم المادية والرقمية والبيولوجية ستتيح التقنيات والمناهج الجديدة للمواطنين وبشكل متزايد التفاعل مع الحكومات والتعبير عن آرائهم وتنسيق جهودهم. في الوقت عينه ستحظى الحكومات بقوة تكنولوجية جديدة لزيادة سيطرتها على السكان، باستخدام أنظمة المراقبة المنتشرة والقدرة على التحكم في البنية التحتية الرقمية. مع ذلك، فإن الحكومات ستواجه ضغوطا متزايدة لتغيير نهجها الحالي لإشراك الجمهور ورسم السياسات، وان دورها المركزي في إدارة السياسة سيتضاءل بسبب المصادر الجديدة من المنافسة وإعادة توزيع السلطة وجعلها لا مركزية بسبب التكنولوجيات الجديدة .

 

إن قدرة النظم الحاكمة على التكيف ستحدد بقاءها من عدمه  إذا ثبت أنها قادرة على القبول بالتغييرات الكبيرة من خلال إخضاع هياكلها إلى مستويات الشفافية والكفاءة التي تمكنهم من الحفاظ على قدرتها التنافسية، فإنها ستستمر . أما إذا كان تفاعلها عكس ذلك ، أي نها لا تستطيع أن تتطور، فسوف تواجه مشاكل متزايدة.

 

يمكن للحكومات الحفاظ على مصلحة المستهلكين والجمهور بوجه عام مع الاستمرار في دعم الابتكار والتطور التكنولوجي من خلال تبني حوكمة “رشيقة”، كما فعل القطاع الخاص في الاعتماد على الحلول السريعة لتطوير البرمجيات والعمليات التجارية بشكل عام هذا يعني أنه يجب على المشرعين التكيف بصورة مستمرة مع بيئة دائمة التغيير وان يكونوا دائما قادرين على فهم القوانين التي يتولون تنظيمها للقيام بذلك، كما تحتاج الحكومات والهيئات التنظيمية إلى التعاون بشكل وثيق مع قطاع الأعمال والمجتمع المدني.

 

ستؤثر الثورة الصناعية الرابعة أيضا تأثيرا كبيرا في طبيعة الأمن الوطني والدولي، وهو ما سيؤثر على احتمالات نشأة وطبيعة الصراعات. ان تاريخ الحروب والأمن الدولي مرتبط بتاريخ الابتكار التكنولوجي والصراعات الحديثة التي تشمل الدول هي صراعات ذات طبيعه متداخلة بطبيعتها، حيث تجمع بين تقنيات القتال التقليدية وعناصر جديدة ذات تقنيات حديثة مثل الأسلحة البيولوجية والالكترونية.

 

ونتيجة لذلك فان الأفراد والمجموعات الصغيرة ستصبح مثل الدول في القدرة على احداث الدمار الواسع . وهذه ثغرة جديدة تؤدي إلى مخاوف جديدة. ولكن في الوقت نفسه فان التقدم في التكنولوجيا سيعطي القدرة على الحد من نطاق أو أثار العنف، من خلال تطوير وسائل جديدة للحماية أو مزيد من الدقة في اصابة الأهداف .

 

بالاضافة لذلك هناك آثار رئيسية للثورة الصناعية الرابعة على الشركات، على توقعات الزبائن، على تحسين المنتج، على الابتكار التعاوني، وعلى الأشكال التنظيمية.

 

سيكون الزبائن وبشكل متزايد هم بؤرة الاقتصاد الذي يقوم على تحسين الخدمات المقدمة اليهم. ستجعل التقنيات الجديدة الأصول أكثر دواما ومرونة، في حين أن البيانات والتحليلات ستغير من طرق المحافظة على تلك الاصول . وفي الوقت نفسه ستتطلب تجارب الزبائن والخدمات القائمة على البيانات اشكالا جديدة من التعاون نظرا لسرعة حدوث الابتكارات والتغييرات.

 

وعموما، فإن التحول الصعب من الرقمنة (الثورة الصناعية الثالثة) إلى الابتكار القائم على مزيج من التقنيات (الثورة الصناعية الرابعة) سيدفع الشركات إلى إعادة النظر في طريقة عملها.

 

وفي تاثيرها على الافراد فإن الثورة الصناعية الرابعة سوف لن تغير فقط ما نقوم به ولكنها ستغيير أيضا ما نحن عليه. انها سوف تؤثر على هويتنا وجميع القضايا المرتبطة به: خصوصيتنا واستقلاليتنا وأفكارنا وأنماط استهلاكنا، والوقت الذي نكرسه للعمل والترفيه، وكيف نطور عملنا،ومهاراتنا وكيف نلتقي بالاخرين ونطور علاقاتنا معهم.

 

لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو هل ان وجود التكنولوجيا في حياتنا يمكن أن يقلل بعضا من قدرات الانسانية المهمة مثل التعاطف والتعاون. أن علاقتنا مع الهواتف الذكية هي خير مثال على ذلك. ان الاستخدام المتواصل قد تحرمنا من لذة الحديث المباشر مع الآخرين.

 

واحد من أكبر التحديات الفردية التي تسببها تكنولوجيا المعلومات هي الخصوصية. نحن نفهم وبشكل غريزي اهمية الخصوصية ، إلا أن ملاحقة وتقاسم المعلومات الخاصة بنا هو جزء حاسم من العلاقات الجديدة . ستزداد النقاشات حول القضايا الأساسية مثل التأثير على حياتنا الخاصة بسبب عدم السيطرة على بياناتنا الخاصة في السنوات المقبلة.

 

وبالمثل، فإن الثورات التي تحدث في مجال التكنولوجيا الحيوية والذكاء الاصطناعي، والتي ستعيد تعريف معنى “الانساني” من خلال تغير حدود العمر والصحة والإدراك والقدرات، سوف تدفعنا إلى إعادة مفاهيمنا المعنوية والأخلاقية.

 

مستقبل الانسانية فى اطار الثورة الصناعية الرابعة:

 

انسانيا واخلاقيا هناك ضرورة وادراك ان التكنولوجيا والتغييرات التي سترافقها مهما بلغت يجب ان تبقى تحت سيطرة البشر . ستكون مسؤولية الجميع توجيه تطور التكنولوجيا من خلال القرارات التي نتخذها بشكل يومي سواء كنا مواطنين، اومستهلكين، اومستثمرين. وبالتالي يجب علينا استغلال الفرصة والقوة لدينا لتشكيل الثورة الصناعية الرابعة، وتوجيهها نحو المستقبل الذي يعكس الأهداف والقيم المشتركة.

 

للقيام بذلك، علينا أن نضع رؤية شاملة ومشتركة على الصعيد العالمي حول تاثير التكنولوجيا على حياتنا وكيف تعيد صياغة البيئات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبشرية. ان الوقت القادم سيكون مليئا بالفرص والمخاطر .

 

في النهاية، ينحصر الامر بالناس والقيم. نحن بحاجة إلى تشكيل مستقبل لنا جميعا من خلال اعطاء الاولوية للناس وتمكينهم .

 

في جانبها الاكثر سوداوية قد تحول الثورة الصناعية الرابعة الانسان الى روبوت ، وبالتالي ستحرمه من قلبه وروحه .

 

في الجانب المضيء من الصورة ستكون الثورة الصناعية الرابعة جزءا لافضل ما يملكه الإنسان :الإبداع والتعاطف، والتنظيم الإشراف، وستكون قادرة على الرقي بالإنسانية إلى وعي جماعي وأخلاقي جديد يستند إلى المصير المشترك. وعلينا ان نعمل جاهدين لتحقيق ذلك.