أخبار عاجلة

عاجل| رسالة إلى فلان

الأربعاء 23 مارس 2016 07:26:03 مساءً

عزيزي فلان بن الإنسان، بعد التحية .. أكتب إليك خطابي هذا لأخبرك أني في انتظار إبداعاتك القادمة التي ستبهر بها الآخرين من بني جنسك.

 

سمعت أنك تشعر باليأس والإحباط وتردد "أنا فاشل .. لا فائدة من وجودي بالحياة"، وأنك كثيراً ما تشعر بالضيق بسبب عدم امتلاكك لموهبة واضحة كأصدقائك ومعارفك؛ فوجدت نفسي أكتب إليك متسائلة "هل سبق وأن طلب أي شخص منك أن تصبح إنساناً خارقاً؟؟ لا أعتقد أن أحد قد طلب منك مثل هذا الطلب الذي يعجز هو نفسه عن تحقيقه، كما أنك لست بلا فائدة أو موهبة كما تعتقد، فالله سبحانه وتعالى لم يخلقك عبثاً ولكنه خلقك لحكمة ما، فأنت مهم جداً وهناك فائدة من وجودك بهذه الحياة، حتى وإن كنت لا تدرك هذه الفائدة الآن.

 

أخبرني أخوك أن أسرتك كانت تتمنى أن تراك مهندساً تبني وتعمر، ولكنك لم تتمكن من تحقيق حلم الأسرة لأن مجموعك لم يؤهلك لذلك، فشعرت برغبة في أن أُذكرك بأنك كنت تخبر الجميع سابقأ بأنك تريد أن تصبح معلماً "يبني وينشئ أنفساً وعقولاً"، فهل نسيت حلمك؟ وهل كنت ترغب حقاً في أن تصبح مهندساً أم أنك كنت تريد فقط إرضاء الأسرة؟ إذا كانت إجابتك نعم أريد أن أرضي أهلي وأجعلهم يفخرون بي فسأخبرك بأنك مازلت  تملك الفرصة لذلك، بل أصبحت أيضاً تملك فرصة أخرى لترضى عن نفسك وتصبح مدعاةً للفخر والإعجاب.

 

لا أريد أن أرى نظرة اليأس أو الإحباط - تلك التي أتخيلها - في عينيك مرة أخرى؛ فأنت تملك قدرة أو قدرات لا يملكها سواك، حباك الله إياها وميزك بها عن غيرك .. سمعت أشخاص يقولون أنك أول من يتبادر إلى أذهانهم عندما يشعرون بالضيق ويريدون اللجوء لمن يخفف عنهم آلامهم، فقد وصفوك بـ "طيب القلب"، ولمسوا في فلانة حناناً لم يلمسونه في أي أحد من قبل، ورأوا أن ابتسامة فلان تنسيهم أحزانهم، وأنها ذات تأثير ساحر، من شأنها أن تدخل البهجة والسرور على كل من حوله، وقد يكون هو نفسه لا يعلم ذلك، فبالرغم من أن لديه إنجازات في عمله ودراسته إلا أنها لم تضف له – بالنسبة لي – بقدر الإضافة التي كانت ومازالت ابتسامته تصنعها دائماً.

 

ولا تتعجب إذا أخبرتك أن التحمل في حد ذاته مقدرة لا يملكها الكثيرون، كذا الصبر، التحدي, المواجهة والتسامح، ودرجاتهم تختلف من شخص لآخر، وأن مآسي الحياة قد تصنع منك يوماً ما شخصاً مبدعاً ومشهوراً، ففلان ذاك شجعته ظروف حياته على الرسم والتألق فيه، بينما امتلك غيره موهبة الغناء والإنشاد، وآخر لديه شغف كبير للكتابة، وأنت تملك القدرة على "الإنصات" بشكل جيد (والإنصات في حد ذاته موهبة)، وغيرك ساعدته "خفة دمه" على أن يقدم عروضاً تبهر الجماهير أو تحبب خلق الله فيه، وزميله ساعده صوته الإذاعي الرخيم على أن يتم اختياره دوناً عن غيره لتقديم نشرة الأخبار بالراديو، في حين تم اختيار فلانة التي تملك "كاريزما" لتقديم برنامج فريد على شاشة التليفزيون، وتم ترشيح الصحفي فلان للحصول على جائزة أفضل صحفي في تغطية الأخبار من مواقع الأحداث، وحاز الطبيب فلان على حب واحترام مرضاه لأنه اعتاد على إعطائهم الأمل في الشفاء قبل وصف الدواء.

 

وأعتقد أنك تتذكر ذلك المهندس الذي أصبح من أشهر المهندسين المعماريين؛ لقدرته على تصميم مباني غاية في الجمال، فقد امتلك ذوقاً رفيعاً ومقدرة على الرسم الخلاب، بينما أصبح صديقه محامياً مرموقاً يلقبه البعض بـ "نصير الغلابة والمظلومين"؛ بسبب ضميرهً الحي الذي ميزه عمن سواه، وخالته السيدة البسيطة التي قامت في الماضي بتفصيل فستان – لحاجتها الماسة للحصول على المال لعلاج إبنتها المريضة – فأصبحت فيما بعد من أشهر مصممات الأزياء، بينما ظل جارها يكتب قصصاً لا يتم نشرها إلى أن وافقت إحدى دور النشر على نشر إحدى أعماله، التي لقيت إقبالاً كبيراً من القراء وحققت نجاحاً منقطع النظير؛ فأصبحت دور النشر تتهافت عليه، وأنت نفسك كنت تخبرني دائماً عن مقدمة البرامج  " أوبرا وينفري" التي  بالرغم من افتقارها للجمال الخارجي أصبحت أحب وأشهر مقدمة برامج بالعالم، فقد ساعدتها إنسانيتها وقدرتها على إدارة الحوار بمهارة على أن تصبح جميلة في عيون جماهيرها .. كما أخبرتني عن فلان الذي تمسك بمكارم الأخلاق فأصبح يهابه الناس ويحسبون له ألف حساب (حباً واحتراماً له لا خوفاً من سلطته ونفوذه).

 

لذا أعتقد أنك قد بدأت الآن تعيد التفكير وتبحث عن موهبتك أو قدرتك الخفية، بعد أن تيقنت أنه لا يوجد إنسان خلقه الله سبحانه وتعالى دون فائدة، أنظر حولك جيداً فقد تكتشف أن هناك شخصاً ما يتخذك قدوةً له أو يراك مصدر الأمان، وقد تكون أنت معنى "الحياة" بالنسبة له، فلا تتسرع بالحكم على نفسك وتذكر عزيزي ("لا يكلف الله نفساً إلا وسعها" .. "كن كما شئت لا كما أراد الناس" .. "أبهر الجميع بقدرتك التي تميزك عن غيرك" .. "لا تسمح للإحباط أن يطرق لك باب").

 

وعن نفسي لا أطلب منك أن تصبح مميزاً في كل شئ، فلن أتمكن أنا أو أنت أو فلان من ذلك؛ لأن الكمال لله وحده، فقط سأطلب منك أن تواجه يأسك ومخاوفك، وإذا تعثرت يوماً في الطريق قم وأكمل مسيرتك متيقناً بأن كل فلان مميز في شئ ما، وأنك لست من نسل "Super Man"، بل من نسل فلان بن الإنسان الذي إذا نعته أحدهم بالفاشل، رد بكل شجاعة وثقة: "فشل أمس فلان بن فلان ليصبح غداً أنجح إنسان".

 

تحياتي لك ولكل فلان.