أخبار عاجلة

أمى شمس لن تغيب

الاثنين 21 مارس 2016 10:21:43 مساءً

أبدا لم ولن يكون وهمًا أن أدعو فأقول «يارب يخليكى يا أمى» حتى بعد رحيلها عن عالمى الذى طالما أضاءته ببريق ثغرها المبتسم، ربما لم أدرك حتى اللحظة حقيقة موت أمى رغم أنى أتجرع مرارة الفراق فى كل يوم بل فى كل لحظة تمر علىَّ، وأنثر الصبر على قلبى المريض بتهيؤات وأوهام أصدقها حين ينهكنى التفكير فى أمر استمرار وضع كهذا، وفراق كهذا، وحنين كهذا .

 

أبدا لن أنسى آخر عيد أم قضيته فى كنف تلك السيدة التى طالما احتضنتنى بود وعطف منقطعى النظير، وقدمت لأجلى وإخوتى من التضحيات مالا يخطر على قلب بشر، فكانت أمًا وأبًا وخير معين لنا على مواجهة تلك الحياة بتقلباتها، لن أنسى حين دخلت على أمى فى ذلك اليوم أقدم لها التهنئة وأركع على ركبتى أقبل يديها فى لحظة ما أمتعها فتشد عليهما وتلتقفهما من بين يدى بقوة وتقول «لا والله أبدًا»، فقد كانت تأبى أن ينخفض رأسى أمامها، هى لا تعلم أنى طالما وددت أن أنحنى على قدميها أقبلهما وأشتمُّ عبير الجنة التى تحت أقدام الأمهات، لولا أنها تأبى إلا أن تعزَّنى، أقدم هديتى فتتقبلها على مضض وتقول «أنا هديتى انى أشوفك انت واخواتك أسعد الناس»، لن أنسى ذلك الشعور الذى انتابنى لحظتها بالخوف وبوداع قادم لا محالة .

 

ما كان خوفى من مجئ يوم كعيد الأم، بل كان خوفى من رحيل محبوبتى قبل مجيئه، وها قد رحلت عنى، لا أعلم حتى اللحظة كيف مرت علىَّ سنة كاملة، وكيف أنى أدخل إلى بيتى دون أن أرى ثغرها المبتسم فى وجهى يضفى على ما تبقى من يومى الشاق البهجة، ويمحو عنى تجاعيد الوحدة، وألم جسد أنهكه العمل، تبعثنى على التفاؤل تلك الدعوات التى تطرب لها أذنى فى الغداة والعشىّ، وتغزونى لهفة العشق وحنين اللقاء كلما خرجت إلى عملى مبكرا، هل ترى من لقاء قبل اللقاء ؟!

 

نعم لقاء قبل لقاء .. لقاء عبر هاتف تظهر على شاشته الصغيرة عبارة  »ماما تتصل بك «، أجيبها : » إزيك يا حاجة .. أنا زى الفل الحمد لله .. اه أكلت مع زمايلى هنا فى الجرنان .. لالالا مش هتأخر ان شاء الله .. هكلمك وانا جاى لو عايزة حاجة أجيبها من برة .. سلام يا ست الكل « .

 

أماه .. فى عيد الأم رغم رحيلك لازلت أدعو وأقول «يارب يخليكى يا أمى»، فرحيلك بالنسبة إلىَّ رحيل جسد دون روح أبت أن تفارقنى، روح طاهرة لا تزال تحوم حولى فى كل وقت وحين، تبعثنى على الأمل من جديد وتبث فى ذاتى المستكينة للحزن الفرح وبصيص من أمل باق ببقاء شمس لا تزال تطلع علىَّ وتغرب لتنشر ضيها ودفئها، أبعث إليكِ أمى برسالة أعلم أنها ستصلك فى قبرك الذى اعتلاه صمت الرحيل فأقول "أمى شمس لن تغيب" .