أخبار عاجلة

بالفيديو| «وجدة».. التمسك بالأحلام

الثلاثاء 14 يونيو 2016 05:28:00 مساءً

الشرقية الآن _ متابعات

الحلم مهما كان بسيطا فهو بالنسبة لصاحبه يمثل العالم بأثره، وهو ما حدث مع "وجدة" بطلة الفيلم الذى يحمل اسمها.

 

فى خطوة هامة للسينما السعودية، جاء فيلم "وجدة – 2012" من إخراج وكتابة هيفاء المنصور، قصة بسيطة عن حلم الطفلة "وجدة" بامتلاك دراجة هوائية، وسط مجتمع محافظ يرى أن الدراجات للصبيان وليس للبنات، إنه فيلم عن الأحلام والتمسك بها وتحقيقها حتى لو واجهتها العثرات أو القيود، أو حتى العجز عن تحقيقها، ويكفى، فى النهاية، شرف المحاولة والتجربة.

 

أهمية الفيلم بالنسبة للسينما السعودية، والتى هى الأخرى تحلم بتقديم المزيد من الأفلام على أيدى المحبين لها، هى أنه تم تصويره داخل الأراضى السعودية وليس خارجها، وتم اختيار ضاحية حديثة البناء خالية من البشر تقريبا، لتصوير المشاهد الخارجية، بعيدا عن التعقيدات الإدارية أو البشرية التى من الممكن أن تواجه صناع الفيلم.

 

الفيلم يحكى عن الطفلة "وجدة" والتى أدت دورها "وعد محمد"، فتاة صغيرة تحمل روح التمرد وشقاوة الطفولة، تحاول دائما فعل ما تشعر به وما تريده بعيدا عن تعليمات المدرسة الصارمة أو تقاليد المجتمع، حيث ترتدى الكوتشى وبنطلون الجينز تحت العباءة السمراء، وتسمع الأغانى الأجنبية، وتبيع أساور الأندية الرياضية لزميلاتها فى محاولة منها لجمع ثمن الدراجة التى تتمنى شرائها.

 

"وعد محمد" ذات الملامح السمراء والعينين الممتلئتين بالحياة والذكاء، أدت الدور بسلاسة ولم يبدو عليها الخوف من الكاميرا، وتميزت بالتلقائية فى الحركة والكلام، وبدت وكأنها ليست التجربة الأولى لها فى عالم التمثيل، ليس هذا فقط بل إنها استطاعت المحافظة على إيقاع الشخصية والإمساك بتفاصيلها طوال الفيلم، ودون أن تقع فى الترهل أو تفقد وحدة الأداء.

 

"الدراجة" تيمة تم استخدامها فى الكثير من الأعمال السينمائية من قبل، وإن اختلفت طريقة التناول، فبينما مثلت الحياة أو وسيلة كسب الرزق فى فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية فى الفيلم الايطالي "سارق الدراجة" للمخرج فيتوريو دى سيكا، مثلت فى أحد فصول الفيلم الإيرانى "اليوم أصبحت امرأة"، للمخرجة "مرضية مشكينى، رمزا للانطلاق من القهر الذكورة وكسرا لقيود المجتمع المنغلق، أما فى "وجدة" فكانت الدراجة رمزا للطفولة والبراءة والحلم الخاص، وضعت مفاهيم الطفولة فى مواجهة تقاليد عالم الكبار، صراع خفى بين العالمين يدور حول قدرة كل منهما على إقناع الآخر بقوة ومنطقية حجته، "وجدة" فى مواجهة أمها والتى أدت دورها الفنانة "ريم عبد الله"، حيث يعتمد الكبار على موروث مجتمعى يستنكر قيادة الفتيات للدراجة، بزعم أنها ستجعلهن غير قادرات على الحمل والإنجاب، أو أنها لعبة صبيانية ليس للبنات علاقة بها وغيرها من الحجج، بينما ترى "وجدة" أنه من حقها امتلاك دراجة واللعب بها، مدركة لعبثية الحجج الرافضة والتى يتم طرحها على مسامعها.

 

الفيلم يطرح عدة مشاكل يعانى منها المجتمع السعودى، مثل الزواج الثانى وعمل المرأة والعلاقة بين الجنسين، وقيادة المرأة للسيارة، وتفضيل إنجاب الذكور على الإناث، كل ذلك يتم على هامش القصة الأساسية وهى حلم "وجدة" بالدراجة، ولكن الفيلم يتعامل مع هذه المشاكل بنعومة، لا يدخل فى مواجهة مباشرة معها، لا يتعمق أكثر تشريح تلك القضايا وتعريتها وطرحها أمام الجمهور، وهو أمر يبدو مفهوما بالنسبة لصناع الفيلم، والذين بالتأكيد يعرفون أن التعامل مع تلك القضايا لابد أن يكون بشكل معين.

 

تعانى "وجدة" من الكثير من القيود المجتمعية، بدءا من تعليمات ناظرة المدرسة الصارمة، وتفتيشها لحقائب البنات وإجبارهن على تغطية رؤوسهن، وقرارها بعدم إمساك البنات لأيدى بعضهن فى طابور المردسة، إلى اكتشافها أنها مختلفة لأنها "بنت" وليست "ولدا"، حيث أن الولد هو الوحيد المؤهل لحمل ارث العائلة، وفى مشهد يحمل دلالة كبيرة، تتأمل "وجدة" لوحة شجرة العائلة، لكنها تكتشف أن اسمها غير مكتوب، فتقوم بكتابته فى ورقة صغيرة، وتلصقها على اللوحة تحت اسم أبيها، لكنها فى اليوم التالى تجد الورقة منزوعة، وفى هدوء تحتفظ بها فى جيبها، وهى تتأمل اللوحة فى صمت، مدركة أنها ولكونها "بنتا" لا يحق لها أن تضع اسمها فى شجرة العائلة وأنها مهما فعلت أو تفوقت فى مدرستها هى فى النهاية "كائن مختلف"، وبدلا من أن تشعر باليأس والإحباط تصر على تحقيق حلمها فى امتلاك دراجة، وتعقد صفقة مع جارها الصغير "عبد الله" والذى قام بدوره "عبد الرحمن الجهنى" بأن يحضر دراجته إلى سطح منزلها حتى تتعلم عليها، مقابل السماح له بتعليق إنارة على السطح بمناسبة ترشح عمه للانتخابات.

 

استطاعت "هيفاء المنصور" أن تقدم كادرات جميلة بصريا، خصوصا فى مشهد قدوم الدراجة إلى محل البائع، وهى موضوعة على سطح سيارة، حيث بدا المشهد بالنسبة لـ "وجدة" وكأنها طائر يحلق فى السماء، يناديها للحاق به، أو مشهد الناظرة وهى تصدر التعليمات من خلال ميكروفون صغير للتلميذات فى الطابور، وهن واقفات أمامها بزيهن الموحد الداكن، وهو ما يذكر بمشاهد المعتقلات والسجون، كما كان هناك توزيعا عادلا بين المشاهد الداخلية فى البيت والمدرسة، والمشاهد الخارجية فى المنطقة التى تعيش فيها "وجدة".

 

فى روايته ساحر الصحراء، يقول الروائى باولو كويلهو "إذا أمنت بشئ فإن العالم كله يتآمر ليحققه لك"، وهو ما يحدث مع "وجدة" التى آمنت بحلمها، وسعت له بكل السبل الممكنة، حتى أنها حفظت خمسة أجزاء من القرآن، لتدخل مسابقة دينية وتحصل على جائزتها البالغة ألف ريال، وهو ما يحدث بالفعل، ولكن الناظرة والتى تتمثل سلطة المجتمع بقيوده وصرامته، تصادر قيمة الجائزة لصالح الأعمال الخيرية والتبرع بها للفلسطينيين، عندما تعلم بنيتها لشراء الدراجة، لترد "وجدة" على سؤال رفيقها "عبد الله" بخصوص الدراجة، فى أسى مشوب بسخرية "فى فلسطين".

 

تمتلك وجدة روح التمرد والانطلاق، ورغم مواجهة ذلك من قبل إلأم التى كانت تردد مقولات المجتمع، حتى أنها تغنى سرا لأن صوت المرأة عورة، وترفض عملا فى المستشفى القريب من المنزل، مراعاة لمشاعر زوجها الذى يرفض عملها فى مكان به رجال، إلا أنها تكتشف فى النهاية أن كل ما فعلته لم يشفع لديه، وقام بالزواج من امرأة أخرى، مدركة أن "الاستسلام" لرغبات المجتمع والعرف ليس حلا، فكل ما كانت تفعله من أجل ارضاء زوجها كان بلا فائدة، وان التقاليد تهزم الحب، تنتقل روح التمرد من "وجدة" إلى الأم، فتقرر تحقيق أحلامها الصغيرة والبسيطة جدا، فتقص شعرها الطويل الناعم مثل نجمتها المفضلة لبنى عبد العزيز، والذى كانت تحتفظ به لأن الزوج يحبه كذلك، وتشترى الدراجة كهدية لوجدة، محققة حلمها، ولتجنبها مصيرها الذى سارت فيه من قبل، وتعترف أخيرا بأن ابنتها "إذا ما أردت شيئا فلن يستطيع أحد إيقافها"، حقا، فلن يستطيع أحد إيقاف الأحلام.

 

نقطة أخيرة: بعض الأشياء فى الفيلم كانت غير متوافقة مع العصر الذى تدور فيه الأحداث، مثل الكاسيت، حيث تستمع "وجدة" للأغانى فى حجرتها على جهاز كاسيت وتقوم بإهداء بائع الدراجات شريط كاسيت به أغان متنوعة كعربون صداقة، كما تحفظ الفتيات القرآن فى المدرسة من خلال جهاز كاسيت أيضا، على الرغم من الفيلم من إنتاج 2012، والكاسيت اختفى من التعامل قبل هذا التاريخ بسنوات وحل مكانه السى دى والإنترنت.


فيديو متعلق