أخبار عاجلة

«بيوت الاستضافة».. براح النساء المعنفات لحياة آمنة

الأحد 29 مايو 2016 01:19:00 صباحاً

عنفٌ نفسيُّ وبدنيُّ تتعرض له كثيرٌ من السيدات، يواجهن الخوف، ويكبحن شبح الألم، الذي يطاردهن يحاولن القضاء على تلك القسوة اللائي يتعرضن لها، هاربين في ذلك البراح المعروف بـ«بيوت الاستضافة»، محتمين بتلك الجدران الآمنة، التي تكفل لهن حياةً بعيدةً عن المأساة، التي وقعت على كاهلهن، بيوت خاصة أو تابعة لهيئات حكومية توفر مصدرًا آمنًا للسيدات المعنفات، اللاتى يبحثن عن مأوى بعيدًا عن البطش الذي يخضعن له.

 

ما بين العنف الجنسي وحالات الاعتداءات والتحرش التى يتعرضن له الكثير، والعنف الأسري من قبل الأهل أو الأزواج، جميعها حالات تبطش بحقوق المرأة وحرياتها، وعلى الرغم من انتشار منظمات المجتمع المدني، التي تتنتصر لقضايا المرأة وتدافع عن حقوقها، فإن حالات المعنفات في ازدياد ملحوظ، وتقديم الدعم المعنوي والنفسي لم يعد كافيًا لتلك النساء اللائي يواجهن العنف والظلم.

 

«نظرة» تبحث إشكالية «بيوت الاستضافة» في مصر

 

انطلاقًا من أهمية وجود بيوت لحماية وتمكين الناجيات من العنف، تقدم «نظرة للدراسات النسوية» بحثًا عن «بيوت الاستضافة» الآمنة للنساء في مصر سواء أكانت تلك البيوت تابعةً للحكومة «وزارة التضامن الاجتماعي» أو المجتمع المدني، وأشارت المنظمة عبر بيان لها إلى أن الهدف من البحث هو أولًا توثيق حالة البيوت الآمنة للنساء في مصر ومدى استعدادها وأهليتها لاستقبال الناجيات من العنف، وثانيًا تقديم توصيات لتحسين الخدمة المقدمة من هذه البيوت للنساء المعنفات.

 

يأتي هذا البحث أيضًا في ضوء تفعيل الاستراتيجية الوطنية لمكافحة العنف ضد المرأة، التي أطلقها المجلس القومي للمرأة العام الماضي، واعتمد البحث بالأساس على مقابلات شخصية مع شخصيات مختلفة من منظمات المجتمع المدني، التي تتبع نظام الإحالة إلى البيوت الآمنة، ولها تاريخ طويل في التعامل معها، ومنها: «مركز النديم لعلاج وتأهيل ضحايا العنف والتعذيب ونظرة للدراسات النسوية ومؤسسة المرأة والتنمية»، أو هيئات عالمية بذلت جهودًا في تطوير البيوت الآمنة في مصر، وكذلك بعض منظمات المجتمع المدني التي لديها تجربة في إدارة البيوت الآمن.

 

«البيوت الآمنة» في مصر

 

تأسس أول بيت من البيوت الآمنة للنساء في مصر عام 2003 بعد قرارين وزاريين صدرا عام  2000، وبناء عليهما أنشأت وزارة التضامن الاجتماعي (وزارة الشؤون الاجتماعية وقتذاك) سبعة بيوت آمنة للنساء، وزاد عددها فيما بعد. طبقًا لموقع وزارة التضامن يوجد حاليا 9 بيوت آمنة تابعة لوزارة التضامن الاجتماعي بالتوزيع الآتي: (1) في القاهرة (1) في الجيزة (1) القليوبية (2) في الإسكندرية (1) في المنصورة (1) في بني سويف (1) في الفيوم و(1) المنيا.

 

وأشارت منظمة «نظرة للدراسات النسوية» عبر بيانها إلى أن هناك خطًا ساخنًا للبيوت الآمنة، لكنه غير مُفَعل، ويتم تحويل النساء إلى البيوت الآمنة عن طريق الخط الساخن لمكتب الشكاوى بالمجلس القومي للمرأة، والمنظمات غير الحكومية التي تعمل مع المعنفات، أو في بعض الأحيان عن طريق المستشفيات في حالة البيوت التي كوّنت شبكات وعلاقات جيدة في محيطها مثل بيت الجيزة.

 

معنفات تروين تطلعاتهن نحو حياة آمنة

 

حياة مليئة بالصراعات والعنف تعرضت لها «مها»، فعلى الرغم من أنها تقطن في قاهرة المعز فإن عائلتها ما زالت تحتفظ بعادات وتقاليد الصعيد، الذين ينتمون إليه. منذ صغرها وهي تعنّف من أبيها وأخويها، ضرب مبرح وإهانة نفسية وجسدية تتعرض لها.

 

«الضرب هو لغة الحوار»، قالتها صاحبة العشرين ربيعًا تصف حالها، وهي بنت وحيدة، تعيش داخل مجتمع ذكوري يحتقر المرأة ولا يمثل لها اعتبارًا، على الرغم من أنها استطاعت أن تلتحق بالجامعة، فإنها ما زالت تعيش التضييقات التي فرضتها عليها أسرتها تحلم بالاستقلال، لكنها دائمًا ما تخاف أن تقع فريسة في يد زوج يستكمل نفس الوتيرة التي عاشت بها، ويفرض عليها حياة أخرى قاسية.

 

لم تسمع من قبل عن بيوت الاستضافة تلك، لكنها ترى أنها فكرة جيدة تتيح حياة آمنة بعيدًا عن لغة العنف، التي لا تعرف غيرها، قائلة «بس حتى لو أعرف مكانها أهلى عمرهم ما هيسمحولي بده».

 

بينما سحر الفتاة التي لم يتجاوز عمرها 18 عامًا، تعيش في كنف زوجها في أسرتها، بعد أن انفصلت عن زوجها، صغيرة تحمل صغيرًا بين كفيها، عام واحد عاشته في عش الزوجية بعد أن أصر أهلها على زواجها «دلوقتي هما ندمانين على اللي عملوه فيا»، حلمت بحياة رغدة إلى أنها فتحت أعينها على حياة مليئة بالمسئولية الثقيلة، التي لم تقدر على تحملها، فتبددت أحلامها إلى سراب.

 

«سنة واحدة بس خلتني أكبر 20 سنة»، قالتها سحر، متمنية أن تعود الأيام وترجع إلى سابق عهدها، على الرغم من أنها تستأنف دراستها فإن آلام العنف الذي ذاقته تكدر صفو حياتها، ناقمة على ذلك العام وعلى أهلها الذين تركوها فريسة ونال منها زوجها وطالها العنف والقسوة، كلمة بيوت استضافة كانت جديدة على مسامعها، قائلة  «يا ريت أقدر أسيب كل حاجة وأروح أعيش فيها»، لم تنس قط أن أهلها هم السبب فيما لاقته من عذاب.

 

مساحة واسعة تحمل بين جدرانها حياةً آمنةً لجميع من بطشت بهم الحياة، وأوقعتهم فريسة للعنف البدني والنفسي المقدر على كاهلهن، مجتمعات تدّعي الحرية، لكنها تودي بحرية نسائها إلى الهلاك الذي يحطم أحلامهم ويهزم عزيمتهم، إلا أنه ما زال الأمل موجودًا في هيئات ومنظمات تساعد المرأة في نيل حقوقها.