أخبار عاجلة

مفاجأة.. مقبرة السيسى بـ 750 ألف جنيه.. و«العقدة» و«عنان» و«حمدي وهيبة» جيرانه

الاثنين 31 ديسمبر 2001 05:47:00 مساءً

الشرقية الآن - متابعات

 

 

مقبرة طارق نور 80 مترًا بمليون جنيه.. والأسعار تبدأ من 300 ألف جنيه لحوش 20 مترًا

 

تُرهق الحياة البسطاء في سعيهم لتأمين معيشة طيبة لهم وأبنائهم، وحلمهم شراء شقة كتتويج لسنوات العمر التي انقضت في "الشقا"، الحال يختلف مع كبار رجال الدولة، الذين كتب الله لهم نصيبًا وفيرًا من الدنيا، فسعوا إلى حجز مدافن لهم في منطقة راقية، وبأسعار باهظ، ورغم اختلاف تلك المقابر في معمارها، إلا أن جميعها مكتوب على أبوابها "ممنوع الاقتراب أو التصوير"..   

 

دردشة عادية مع صديق قديم، على هامش عزاء أحد أقاربه، الذي دفن في مقابر القطامية، التي تقع على طريق التجمع الخامس بالقاهرة الجديدة، قادنا إلى فكرة هذا الموضوع، ففي تلك المقابر، توجد أحواش خاصة بالوزراء والأدباء ورجال الأعمال وقيادات القوات المسلحة ومشايخ الأزهر ومفتي الجمهورية ورجال الأعمال والشخصيات العامة، كلهم لم ينسوا الدار الآخرة في زحمة انشغالهم بالمسئوليات ومناصب الدنيا.

 

عبارات عابرة أخذتنا إلى الغوص في تفاصيل أكثر حول ارتفاع أسعار المدافن والأحواش هناك بصورة هائلة، بداية من 250 ألف جنيه لحوش صغير لا يزيد عن 20 مترًا، ونصف مليون جنيه للمدفن المتوسط مع استراحة مجاورة، وصولًا إلى 750 ألف جنيه للحوش الكبير الذي تبلغ مساحته 60 متر مربع.

 

ثكنة عسكرية

 

الرحلة إلى مقابر الكبار ليست طويلة، ولكن الدخول إليها أشبه بالمغامرة محسوبة المخاطر، خاصة إذا ساقتك الظروف والأقدار لدخول مدافن القوات المسلحة، عند أطراف محور المشير، ممنوع الاقتراب أو التصوير إلا بأمر عسكري، أو لتشييع جنازة أحد الضباط، أو لقراء الفاتحة على روح الموتى.

وفي موقف ميدان عبدالمنعم رياض بوسط القاهرة، لا يوجد غير أتوبيس وحيد للنقل الجماعي، يقودك مباشرة نحو محور المشير وطريق "ستاد الدفاع الجوي - التجمع الخامس"، يحمل رقم (1062) "التحرير -الجامعة الأمريكية"، ومن هناك بدأنا رحلة الدخول إلى مقابر "القطامية هايتس".

 

طريق طويل على جانبيه تمركزات عسكرية، مدعومة بوحدات خاصة، إضافة إلى مستشفى تابعة للشرطة ومحطة وقود "وطنية"، وعلى بعد خطوات من محور المشير، وعلى الجانب الآخر، يعلو الصليب فوق مدافن المسيحيين، التي لا يفصلها عن مقابر المسلمين سوى شارع عريض وسور طويل، والتي يتصدرها آية الكرسي ولفظ الجلالة "الله جل جلاله"، المحفورة على واجهة إحدى مقابر المسلمين بزخارف وخطوط بارزة، وأن نظرت في الخلفية، ترى "الصليب" فوق قبة مقابر المسيحين.. متجاورين في رحلة ما بعد الموت.

 

مدفن للبيع.. من هنا كانت البداية

 

حاولنا البحث عن طريقة آمنة للدخول إلى مجمع المقابر، دون إثارة الشكوك حول شخصيتنا ومنعنا من التصوير، وجاءت فكرة السؤال بشأن شراء مدفن بسعر مناسب وسط المنطقة، ومنها كانت البداية.

وعند بوابة أحد الأحواش، تجد عشة صغيرة، يقطنها رجل خمسيني يُدعى عم رمضان كامل، أقدم "تُربي" في المنطقة، ويعمل في المقابر منذ أكثر من 30 عام .

"الأسعار هنا مولعة.. أقل حاجة 450 ألف، وكمان مش هتلاقي مدافن فاضية، ولو إنت عاوز حوش بسعر كويس، ممكن تدور في أكتوبر أو 15 مايو.. هناك الأسعار بتبدأ من 120 ألف وأخرها 150 ألف جنيه".. عبارات مقتضبة قالها عم رمضان لـ"زبونه الجديد".

 

 

900 ألف جنيه.. "تسعيرة" مقبرتين على "الناصية"

 

وبعد عناء، يكمل "التُربي" حديثه قائلًا: "أقل مدفن هنا مساحته 20 متر بـ 2 عين، لا يقل عن 280 ألف جنيه، وأغلاهم 600 ألف جنيه بجوار مدفن الرئيس عبدالفتاح السيسي في أحواش القوات المسلحة، ولو إنت فلوسك جاهزة عندي مقبرتين زيرو على ناصية الشارع الرئيسي خلف سور المسيحيين بـ 900 ألف جنيه".

 

مفتي الجمهورية يجاور الأقباط في "حوش" الوزراء

 

هناك وسط الأحواش والمدافن الراقية، توجد مقابر الوزراء والأدباء ورجال الدين ورجال الأعمال والمستشارين وقضاة الدولة وقيادات جهاز الشرطة، المصممة بطراز عصري، والمزخرفة بالآيات القرآنية الكريمة، ويتصدرها أسماء هؤلاء المشاهير، بداية من مفتي الجمهورية الأسبق، الدكتور نصر فريد واصل، والذي يجاوره مدافن أسرة اللواء محمد عبداللطيف خضر، واللواء طيار أركان حرب محسن صوفي إسماعيل، وعلى بعد خطوات، مدفني أسرة رئيس حزب الوفد، الدكتور السيد البدوي، ورئيس محكمة الجنايات السابق، المستشار هلال فتحي القرضاوي، على ناصية الشارع الرئيسي.

 

 

هنا مُربع الوزراء في مقابر القطامية

 

في مربع آخر، لا يبعد كثيرًا عن مدافن الأقباط، توجد أربعة أحواش مبنية بالجرانيت والرخام ومطرزة بالسيراميك والبورسلين، وعلى رأس كل منهما استراحة كبيرة وسلم من السيراميك وبوابة حديدية بقفل معدني، تعلوها الآية القرآنية "ادخلوها بسلام آمنين".

ولافتات أخرى ملاصقة مطبوعة على لوح سيراميك، مدون عليها اسم المستشار عزت خميس، مساعد أول وزير العدل ورئيس لجنة التحفظ على أموال جماعة الإخوان المسلمين، وبجواره مدفن عائلة المهندس هاني ضاحي، وزير النقل السابق، وحوش ثالث لا يقل عن 40 متر مربع لوزير التعليم العالي في عهد حكومة الدكتور كمال الجنزوري، الدكتور محمد عبدالحميد النشار.

 

وخلف حوش الوزراء في الشارع الآخر الموازي، مقبرة خاصة بالكاتب الساخر زكريا الحجاوي المتوفي آواخر عام 1975، ومفتي الجمهورية الأسبق، الدكتور علي جمعة، وشيخ الأزهر الراحل، الدكتور محمد سيد طنطاوي.

بين مقابر الأثرياء والكبار على طريق التجمع الخامس، الفقراء أيضا لهم نصيب فيها، حيث مقابر الصدقات والعاملين بهيئة النقل العام وجمعية "دار الحق" التابعة للجنة النقابية الخاصة بالعاملين بالنقل البري، ومدافن خاصة بالجمعيات الشرعية لأبناء "المواطين" بمركز طما و "أبناء العتامنة" بسوهاج والجمعية الخيرية لأبناء الضبابشة بكفر دمنهور وكفر شماره و"المعصرة" بميت غمر والجمعية الخيرية لأبناء الدير بمركز قنا وغيرهما من مدافن الصدقات التي تخصصها لهم المحافظة وبعض الأثرياء من تبرعاتهم الخاصة.

 

مفاجأة.. مدفن طارق نور بمليون جنيه

 

عند مدخل المقابر من الناحية الأخرى على الطريق السريع، باتجاه العين السخنة، "مدفن" مبني بتشطيبات مشابهة لتصميمات الشاليهات السياحية الفاخرة، مبني على مساحة 80 متر مربع، سعره يقترب من المليون جنيه بحسب الأسعار المجاورة، يحيط به حوش عريض مزين بالورود والأشجار، أمام مداخله الثلاثة، وعلى بابه الخشبي كرسي جانبي يرابط فوق سلم دائري بدرجات خمس، وفي الداخل أربعة أعمدة تحمل البناء الذي يحوي رُفات اثنين من أسرة رجل الإعلانات طارق نور، رئيس مجلس إدارة قناة القاهرة والناس وهما "سعاد لملوم" و"مايسة محمود نور"، وفي أحد جانبيه استراحة خاصة للزائرين.

 

على الجانب الآخر، يقيم "تُربي" عامل مختص بتلك المقبرة وحدها، لم يلحظ وجودنا، وكأنه يسبح في عالم آخر، خلقه صمت المقابر، وهو يشاهد التلفزيون المعروض أمامه من داخل المدفن المبني على أحدث الطرز في البناء لأسطورة الإعلانات الأول في مصر .

 

210 ألف جنيه.. تسعيرة "الحوش" في المحافظة

 

في مجمع مقابر طريق "القطامية - التجمع الخامس"، الذي يحتوي أكثر من 200 ألف حوش، يعمل نحو 70 تُربي معينين من قبل محافظة القاهرة، التي تبيع الحوش الواحد، الذي تبلغ مساحته 20 مترا، بـ 105 آلاف جنيه، والوسط بـ 210 ألف جنيه، وتفرض رسومًا تصل إلى 400 جنيه على كل متوفي في تلك المنطقة.

 

55 ألف جنيه لتشطيب المقبرة

 

من قلب المقابر التقينا الحاج محمد حسونة، "تُربي" يشرف على 200 حوش بالمنطقة المجاورة لمدافن القوات المسلحة، بمشاركة ثلاث عمال آخرين يعملون تحت يديه، وكان لم يفرغ بعد من أعمال تطهير الأحواش ورعاية الورود والأشجار الخاصة به.

"اتولدت فيها وعشت فيها عمري، والدفن ده شغلانتي أبًا عن جد، من أكتر من 30 سنة، أيام ما كنت عيل صغير باشتغل مع أبويا في تُرب الغفير والمجاورين والبساتين".. بهذه العبارات حدثنا عم محمد عن حياته الشخصية في حضرة الموتى داخل مقابر الكبار، ذاكرًا أنه يتولى كافة أعمال البناء والتشطيبات الخاصة بالمدفن، كما يريد الزبون، وهو يسير مع المثل القائل "اطبخي يا جارية كلف ياسيدي"، مشيرًا إلى إحدى التصميمات الحديثة، وهي خاصة بمقبرة آل السعدني، الخاصة بالكاتب الساخر الراحل محمود السعدني.

 

هنا مقبرة الولد الشقي.. محمود السعدني

 

يتذكر عم حسونة بدايات شراء محمود السعدني، والملقب بـ"الولد الشقي"، لمقبرته عام 2007، حينها دفع نحو 210 ألف جنيه للمحافظة لشراء قطعة الأرض، و55 ألف جنيه رسوم تشطيب الحوش، البالغ مساحته 40 مترًا، ولا يقل سعره اليوم عن 500 ألف جنيه، وعلى الناصية الأخرى توجد مدافن "آل حتاتة" و"أسرة السبكي".

وبدورنا سألناه عن مدفن مجاور للبيع، فأخذنا في جولة على مدفنين، أحدهما خاص بعقيد متقاعد في القوات المسلحة، ومساحته 40 متر، يطلب فيه 450 ألف جنيه، وآخر على مقربة من مدافن الجيش، لا يقل سعره عن نصف مليون جنيه، ويحوي عينان تتسعان لعشرة أشخاص، إضافة إلى "معضمة" خاصة بما يتبقى من المتوفي في مرحلة التطهير؛ لإعادة الدفن من جديد.

 

"هيفاء وهبي" على مدخل المقابر

 

يقول عم حسونة إنه غير سعيد بارتفاع أسعار المقابر بهذه الصورة؛ لأنها تجعل الزبائن يهربون من المنطقة، ويعزفون عن الشراء، رغم أن أصحابها اشتروها بـ"رخص التراب"، بحسب تعبيره، وقت كانت أرض المقبرة ثمنها لا يتعدى 4 آلاف جنيه، و500 جنيه رسوم بناء من قبل المحافظة.

وعن أجرة التربي وراتبه، يحدثنا عم حسونة في أسى عن دخله الهزيل، ويصب جام غضبه على مسئولي محافظة القاهرة "اللي داخلين في أي حاجة عشان يطلعوا فلوس"، حسب وصفه، مكملًا: "لدرجة وضع لوحات إعلانية كبيرة (out doors)، عند مدخل المقابر، تعلوها بوسترات خاصة بالمطربين محمد حماقي وهيفاء وهبي، وأحيانًا أخرى إعلانات شركة مياه غاذية"، ويضيف ساخرا: "طيب حطوا هيفا في حته بعيدة عن التُرب" .

يستطرد عم حسونة: "في المقابل تبخل عنا المحافظة برسوم الدفن، وتقول (روحوا خدوا حسنتكم من الزبون وزوار المقابر)، رغم أننا نتولى كافة أعمال الدفن والفراشة والكراسي التي يوفرونها لأهالي المتوفي".

 

مفاجآة.. مقبرة السيسي بـ 750 ألف جنيه

 

يافطة صغيرة على أطراف مقابر، مطبوع عليها عبارة "هنا مدافن القوات المسلحة"، عند نهاية كوبري المشير الجديد، أمامها بوابتان حديثتان، يرابط على كل منهما مجندان بالشرطة العسكرية.. من ثم كانت محاولة الدخول أشبه بمحاولة الانتحار، حاولنا البحث عن مدخل آخر أكثر أمنًا، دون تفتيش أو إجراءات عسكرية صارمة، فتعرفنا على أحد "التُربية" العاملين داخل تلك المدافن؛ ليقودنا إلى هناك، حيث نريد شراء حوش خاص بأحد أقاربنا، وخلال الطريق سألناه عن الأسعار، فأخبرنا أن أقل مدفن لا يقل عن 500 ألف جنيه، بمساحة 40 متر مربع، و"حوش" السيسي وحده يقترب ثمنه من المليون جنيه.

 

وعند مدخل البوابة الرئيسية، سألنا أحد أفراد الشرطة العسكرية المرابطين عن الغرض من الزيارة، فأخبرناه لحضور مدفن أحد الأقرباء، تشكك قليلًا من الرواية، ورافقنا لنحو 100 متر، ثم تركنا نمضي نحو المدفن، الذي يجتمع حوله عشرات الأفراد والسيدات المتشحات بالسواد، وسط سيارات الجيش ومدرعات الشرطة العسكرية المرابطة على بعد خطوات من البوابة الرئيسية.

على الجانب الأخر من مدافن القوات المسلحة، توجد حجارة متناثرة في أطراف المكان، وعمال بناء يحفرون باطن الأرض، على بعد خطوات من منطقة جبلية تعلوها الرمال على مد البصر في طريق التجمع الخامس، ليقيمون أساسات مقابر أخرى إضافية، بعد أن لم تعد الألفي مدفن كافية.

 

"العقدة" و"عنان" و"حمدي وهيبة".. جيران الرئيس

 

في محاولة أخرى للهروب من مراقبة أفراد الشرطة العسكرية، قطعنا مسافات طويلة داخل المقابر للبحث عن منفذ خلفي يقودنا نحو مدفن آل السيسي، الذي لا يبعد سوى خطوات معدودات عن البوابة الرئيسية، التي يوجد على يسارها مدافن أسرة اللواء طيار يونس السيد المصري، قائد القوات الجوية، وعلى يمينها حوش عريض تحيطه الورود وأشجار الزينة، وتتقدمه استراحة فخيمة، على ناصية ذلك الشارع من الناحية الأخرى سيارة دفع رباعي، وفي الجوار مقابر الأربعة الكبار في الدولة.

البداية مع مدفن خاص بأسرة الفريق سامي حافظ عنان، رئيس أركان القوات المسلحة الأسبق والرجل الثاني في قيادات الجيش في فترة حرجة من تاريخ مصر الحديث عقب ثورة 25 يناير، وبجواره مدفن خاص بالفريق حمدي وهيبة، رئيس أركان حرب القوات المسلحة الأسبق، الذي يجاور محافظ البنك المركزي السابق الدكتور فاروق العقدة.

 

مقبرة السيسي.. "رب قد آتيتني من المُلك وعلمتني من تأويل الأحاديث"

 

جدار واحد يفصل بين مقبرتي "العقدة" و"آل السيسي"، الخاص بالرئيس عبدالفتاح السيسي وأسرته، والمدفون فيها والدته التي توفيت بأزمة قلبية في أغسطس 2014، وتعلوها لافتة عريضة من السيراميك مطبوع عليها آية قرآنية "رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث، فاطر السماوات والأرض، أنت وليي في الدنيا والآخرة، توفني مسلمًا وألحقني بالصالحين"، وملحق بها استراحة خاصة مغلق بابها، وعلى ناصيتها مساحات شاسعة فارغة من الجانبين، عند نهايتها بوابة الدخول الرئيسية.