أخبار عاجلة

مطلوب أجزخانة

الخميس 11 فبراير 2016 03:29:09 مساءً

لا تتعجب عزيزي القارئ عندما تجد شخصاً ما يصرخ ويقول بعلو صوته  "مطلوب أجزخانة"؛ فنحن نفتقر للأجزخانات بشدة في عصرنا هذا، خاصة بعدما تحول مفهوم الأجزخانة لدينا لصيدلية ومنه إلى  "بوتيك" يقوم أصحابه بعرض وبيع مستحضرات التجميل إلى جانب بعض الأدوية التي من شأنها أن تسهم في علاجك أو تودي بحياتك أو تكون "زي قلتها بالظبط".

 

وليس التحول هنا عزيزي في المفهوم اللغوي للمصطلح، ولكنه تحول في المفهوم العقلاني للمكان، فبعد أن كانت الأجزخانة "بيت الدواء" الذي يقوم فيه الصيادلة بممارسة مهنتهم السامية المختصة بتصنيع الدواء ومن ثم بيعه للمريض بشكل مباشر تحولت الأجزخانة لمحل أو منفذ لبيع الأدوية؛ فالصيدلية هي وسيط بين المريض وشركة الأدوية بينما يتم تحضير الدواء بالأجزخانة دون الحاجة لوجود وسيط بينها وبين المريض، لذا يتم تطبيق القانون التجاري علي الصيدليات بسبب افتقادها لعملها الأساسي ألا وهو تصنيع الأدوية.

 

إذاً المسألة هنا أصبحت مسألة تجارة و"التجارة شطارة"، والتاجر الشاطر دائما ما يبحث عن كيفية عرض وتسويق منتجاته بشكل "يشد رجل الزبون"، لذا لا مانع لديه من وضع القليل أو الكثير من مستحضرات التجميل لجذب السيدات والفتيات لدخول الصيدلية، أو على الأقل لتحفيزهن على شراء ما لا يحتجن شراءه أثناء تواجدهن بـ "البوتيك" .. عذراً الصيدلية، فالكثير من الصيدليات تعرض تلك المستحضرات بمظهر يجعل البعض يتسائل "هل أخطأت وقمت بالدخول للبوتيك المجاور للصيدلية المنشودة؟ أو هل اليوم هو اليوم العالمي للتبرج؟" لا أبداً لم يخطئ أحد وهذا ليس بيوم عالمي للاحتفال، فقط  بعض الصيادلة قرروا تغيير مهنتهم أو إجراء بعض التعديلات الطفيفة عليها. 

 

والأدهى والأمر عزيزي أن بعض الصيدليات تقوم ببيع أدوية مغشوشة يتم تصنيعها "تحت بير السلم" أو استيرادها وشرائها من شركات أدوية تقوم بصناعة تلك المواد والعقاقير التي "لا تسمن ولا تغني من جوع"، فالبعض قرر أن يتحول من صيدلي يصنع الدواء أو على الأقل يبيعه لتاجر يتاجر في أحلام وآمال كل مريض في الشفاء.

 

ولا يعني ذلك أن كل الصيادلة قرروا تغيير مهنتهم أو أن هذا الكلام يمكن أن يعمم على كل الصيادلة .. بالطبع لا فالكثير منهم أقسم على احترام شرف المهنة وحافظ على هذا القسم، فأنا لا أنسى ذلك الصيدلي المحترم بفيلم "حياة أو موت" وما فعله لينقذ عماد حمدي بعدما باع لإبنته دواء خاطئ من شأنه أن يتسبب في وفاته، فقد جرى بالشوارع باحثاً عن الطفلة ومحذراً المريض عبر الميكروفون "لا تشرب الدواء .. الدواء فيه سم قاتل"، وهذا نموذج من نماذج عديدة لصيادلة موجودين بالواقع يملكون ضميراً من ذهب كهذا الصيدلي بالفيلم.

 

كما أن المشكلة ليست متعلقة بالصيادلة فقط؛ لأن بعض أصحاب الصيدليات ليسوا بصيادلة، فبإمكان أياً منا أن يشتري صيدلية إذا كان يملك المال الكافي لذلك، ومن ثم شراء إسم أحد الصيادلة ووضعه على الصيدلية واستئجار بعض العاملين للعمل بها، والكثير من العاملين بالصيدليات غير مختصين ولكنهم يقومون بحفظ أسماء الأدوية وأماكنها وأحيانأ وصف الأدوية!!.

 

فعندما يتم إغفال التخصص وأهميته وتتحول الصيدلة لتجارة يصبح من الطبيعي أن يصف العامل بالصيدلية الدواء للمريض بدلاً من الطبيب بعدما حل محل الصيدلي وبعدما أصبح "البوتيك" جزءاً لا يتجزأ من الصيدلية، وأصبح من الطبيعي أيضاً في المقابل أن تجد من يصرخ قائلاً "مطلوب أجزخانة .. مطلوب ضمير .. مطلوب صيادلة".