أخبار عاجلة

ثورة الشك

الاثنين 05 أكتوبر 2015 04:59:00 مساءً

اتسمت الفترة الاخيرة من حكم الرئيس - المتخلى عن منصبه-  مبارك بالاضطراب السياسى والمجتمعى. كان الرئيس الاسبق -ونظامه الحاكم- غير عابىء بالمطالب الحقيقية للشعب الذى يحكمه، وتشكلت حوله قبل ذلك بعقد او يزيد فئة من المنتفعين واصحاب المصالح الفاسدين الذين استحلوا لسنوات طويلة انتهاك حقوق الشعب الاساسية من الحرية والكرامة والمقدرة على الحياة الكريمة، واستغلوا قدرتهم على التعدى والتلاعب او العبث بالقوانين فى حماية فسادهم وظلمهم وزرع ونشر قيم غير حميدة؛ بغرض احداث انحرافات مجتمعية وأخلاقية لخدمة مصالحهم. وكانت ثورة الشعب على مثل ذلك النظام حتمية ومتوقعة وضرورية لاحداث التغيير والاصلاح، لأمور ظلت على حالها من الانتكاس لفترة طويلة دون محاولة للاصلاح من قبل من بيدهم تحقيق الاصلاح من اعلى فجاءت محاولة فرض الاصلاح من اسفل.

 

فى صباح 25 يناير 2011 لم يكن أحد فى مصر أو خارجها يتصور أنه فى غضون أسابيع قليلة سيتغير حال البلاد تماما، وفى صباح 30 يونيو 2013 لم يكن أحد فى مصر أو خارجها لديه شك فى أن حال البلاد سيتغير بعدها تماما.

وفى حين صاحبت ثورة يناير وتلاها ظنون بالتأمر الداخلى والخارجى لاسقاط الدولة وادخال الشعب فى اعتراك لا ينتهى حول السلطة والحاكم ونظام الحكم، صاحبت ثورة يونيو وتلاها ظنون بعودة القمع والفساد وقهر المواطنين من نفس الفئات التى قامت ضدها ثورة يناير.

 

بالاضافة الى ذلك ففى أثناء فترة ثورة يناير كان الهم الاكبر هو أن يتمكن النظام الحاكم من البقاء فى السلطة بأى صورة من الصور نتيجة للخوف من القمع والاجراءات الانتقامية التى يمكن ان يتخذها ضد من دعوا او حرضوا وقاموا بالثورة وضد عموم الشعب نتيجة لتمردهم على النظام وبالتالى فشل الثورة فى تحقيق طموحات يصبو اليها الشعب وانتكاس الاوضاع للأسوأ. بينما كان الهم الاكبر أثناء ثورة يونيو هو ان يتمكن من وصلوا الى السلطة من البقاء فيها بقمع وارهاب الشعب او ان يتمكنوا من عمل تدمير انتقامى للدولة نكاية فيمن ثاروا عليهم، أو ان يتغول من قادوا الثورة على السلطة والمؤسسات نتيجة لعدم وجود بدائل سياسية أو كفاءات مهنية قادرة على تحمل مسئولية الحكم أو تبعات متطلبات الشعب؛ وبالتالى فشل الثورة فى تحقيق أحلام المواطنين من الحرية والحياة الكريمة وعودة الاوضاع لما كانت علية قبل يناير أو أسوأ .

 

وبينما أخرجت الثورة الاولى فئات من الشعب افرادا وجماعات كانت مخفية او مختفية بين طيات المجتمع ما أظهر وبوضوح مدى التشتت السياسى والاجتماعى الذى تعانى منه مصر وأدخلت فئات اخرى الى غياهب ظن أنها ستُنسى فيها للأبد، فان الثورة الثانية قد أدخلت بعض من الفئات الناشئة الى طيات غير محددة الملامح فى المشاركة السياسية والعمل الاجتماعى وأخرجت فئات ظُن لوهلة أن دورها قد انتهى فى التأثير على المجتمع او الاشتراك فى النواحى السياسية الى دور حاولت فيه استعادة ما فقد منها والزيادة عليه بأدوار أخرى.

 

أيضا؛ عقب ثورة يناير كان لدى المجتمع المصرى افرادا وجماعات رغبة عارمة فى المشاركة بالافكار والعمل وفى الانخراط في أنشطة سياسية حرم منها عقودا طويلة وفى نفس الوقت فأنه عقب ثورة يوينو كان لدى غالبية المجتمع الرغبة فى الابتعاد عن المشاركة وترك الامور لمن يديرونها.

 

لا أحد يستطيع أن يدعى يقينا معرفة اسباب صبر الشعب المصرى على فساد وقهر وتعنت نظام مبارك الحاكم أولماذا انفجرت الحشود فجأة ضده لتتحول الى ثورة تطيح بذلك النظام! ، كما أنه لا تفسير واضح لتدفق ملايين البشر لاسقاط نظام لم يستمر فى الحكم سوى عام واحد بقوة وايمان حقيقى بعدم صلاحيته لحكم البلاد ثم تعود تلك الملايين - بعد أن سلمت أمانة الحكم لمن رأت أنهم الاصلح -  الى مكامنها وتبدأ دورة جديدة من الصبر وتسليم الامر الى من يدير.

 

لابد من البحث عن حكم منطقى يوضح أسباب تذبذب جانب من الشعب فى فترة قصيرة ما بين مؤيد لأحد الاطراف أو معارض لنفس الطرف بعدها مباشرة ! قد يكون هناك بعض التفاسير لقيام البعض من الشعب بالتعلق بأذيال بعض اللاعبين الذين بَرزوا أو بُرزوا كأنهم هم المنجون من مهالك الحياة والموت ثم يتركون تلك الاذيال ليتمسكوا بغيرها ويمارسوا نفس الاداء بنفس الحماس والمنهجية، أما ما لا تفسير له فهو القيام بذلك مرارا وتكرارا وبعلنية يقوم هؤلاء البعض أنفسهم بتأكيدها بدون قلق من سوء أو حتى حسن تفسير.

 

كما يجب الوقوف على تعليل لحالة اكتساب الامل بقوة وفقدانه بسرعه كما كان يحدث منذ بدايات حوادث الثورة الاولى وحتى الان. هل هناك خلل أو عيب فى شخصية الانسان المصرى ذهنيا أو سلوكيا؟ قد يكون ذلك واردا بل وحتميا حتى لو كان طارئا أو مرتبطا بظرف آنى أو آجل وقد يكون الوصول الى اجابات لأسئلة محيرة أفضل من دفنها فى التاريخ والذاكرة. ان كم الشكوك التى أحاطت بقيام الثورتين ودوافعهما ونهايتيهما كبير ويحتاج لكثير من التدقيق والتحليل للوصول الى يقين حول أزمات المجتمع ورغباته وطموحاته وحول علاقات الحاكم بالمحكوم وعلاقات السلطات ببعضها و بالمواطنين.

 

ان الشعب المصرى يستحق ان يصل الى الحقيقة التى تهدىء من روعه وتطمنئه على الحق والعدل وتضع فى وجدانه تطلع لأمل فى مستقبله لكى لا يظل محصورا فى دوائر من الشكوك والظنون لا اجابة لها ولا مخرج منها سوى بالنسيان أو التجاهل ثم يفاجأ المجتمع فى صبيحة يوم بتكرار لنفس الاحداث أو شبيهة لها وتعود نفس المطالب لتسلم لنفس الاحباطات والاسئلة ويظل العقل المصرى فى دوامة من الشكوك تطغى على أفقه ولا تجعل له مستقبلا.

 

ان الامل فى ان يتم الارتقاء بضمير الامة المصرية لكى تقوم بثورتها القادمة فى ظل يقين وثقة من أن كل ما تفعله صحيح وأنه لا يوجد مجال للشك والخداع او التلاعب بالعقول. لابد للثورة القادمة ان تدفع العلم الى العقول وترفع العقول الى الاستنارة التى تحقق ثبات وجدان المجتمع امام حوادث الداخل والخارج. ان الثورة القادمة لابد وأن تكون من اجل العلم وفى سبيل التقدم والتحقيق الدائم لطموحات الامة ونهضة وطن أضناه انتظار دور أمام مصاعد العظماء.  لابد للثورة القادمة أن تكون ثورة اليقين.