أخبار عاجلة

الرفيقة الملعونة

الجمعة 08 أبريل 2016 06:32:06 مساءً

خرج واصطحبها معه كالعادة .. أخذها لمكان بعيد بحيث ينفرد بها ويتحدث معها حديثاً من القلب .. لم ينطق بأي كلمة واكتفى بالنظر إليها وكأنه يخبرها برغبته في الانفصال عنها، وأنه لا يقوى على ذلك رغم عدم حبه لها؛ فقد أدمنها، أدمن التواجد معها، أدمن رائحتها، أدمن ذلك الشعور الذي يراوده وهي بجواره .. يتمنى لو يعود الزمن به إلى الوراء ليرفض رفقتها، وليدير ظهره لها ولهؤلاء الذين أشاروا عليه برفقتها، متهكمين عليه واصفين إياه بانتقاص الرجولة كلما رفض نصيحتهم.

 

ولكن كيف؟! كيف يتركها الآن وهو يشعر بصداع رهيب وتزداد عصبيته ورغبته في العودة إليها كلما حاول الابتعاد عنها .. لقد حاول في أحد المرات أن يتركها ولكن دون جدوى؛ فإرادته لم تكن قوية بالدرجة الكافية كي يتحمل آلام فقدان "النيكوتين" الذي تزوده به، والذي توقف جسده عن إفرازه منذ ارتباطه بها.

 

نعم، إنها "السيجارة" عزيزي القارئ وعائلتها (الشيشة، البايب، .. إلخ )، التي اختارها الكثير من المدخنين كرفيقة تلازمهم في كل مكان، أصابتهم بلعنة الإدمان حتى عجزوا عن تركها، رغم أنهم لو أنصتوا جيداً لمن حولهم وتأملوا في آثارها المؤلمة لاكتشفوا أن الفرصة مازالت سانحة أمامهم للإقلاع عنها، وأن المسألة فقط مسألة وقت، تحمل، صبر، إرادة وعزيمة قوية.

 

صحيح أن المدخن سوف يعاني من أعراض الانسحاب التي تكون شديدة في الأسبوع الأول من التوقف عن التدخين، ولكنه سيشعر بأن تلك الأعراض بدأت تقل في الأسبوع الثاني، وبعد حوالي شهر أو اثنين بالكثير ستزول هذه الأعراض تماماً، وهي في أغلبها أعراض نفسية ومزاجية كـ (سهولة الاستثارة -  العصبية - القلق – الأرق)، وإذا وقف من يثق بهم بجانبه وقاموا بتشجيعه؛ فسوف يتجاوزها بسهولة.

 

إذاً كلها شهر أو شهرين بالكثير ويعود جسدك عزيزي المدخن طبيعي كسابق عهده، فلما الإصرار على التدخين الذي ينقص من عمرك وعمر من حولك؟! لما الإصرار على الاحتفاظ بذلك الوحش الضاري الذي يفترسك ويفترس عائلتك نفسياً وجسدياً، بعدما يحولهم لمدخنين سلبيين (المدخن السلبي: هو من يستنشق التبغ الذي يتناوله شخص آخر) متورطين معك رغماً عنهم .. يتوعدك ويتوعدهم دائماً بالإصابة بأمراض خطيرة تفتك بهم وتقضي عليهم، وأشهرها (أمراض القلب، السرطان، ونقص المناعة).

 

وإذا كنت لا تبالي بنفسك ولا بصحتك، فأعتقد أنك ترغب في أن تكون قدوة حسنة لأبنائك أو طلابك، فلو كنت أباً أو كنتي أماً فإن كلاكما لن يكون سعيداً عندما يرى أحد أبنائه ينسحب للتدخين، فمهما استخدمت من كلمات وعبارات لتنفرهم من ذلك العدو المميت، فستبقى أفعالك دائماً خط السير صاحب التأثير الأقوى عليهم؛ لذا أرجوك ألا تدفع بهم وبنفسك إلى الانتحار بالبطئ.

 

ولو تأملت حالك جيداً فستجد أن الأموال التي بددتها ومازلت تبددها على رفيقتك الملعونة، كان يمكن لك أن تستثمرها في أشياء عديدة مفيدة، أو حتى تدخرها و"القرش الأبيض بينفع في اليوم الصعب وبلاش الإسود"، وأنك حتى لو كنت من أثرى الأثرياء فأنك لست بضامن لاستمرار هذا الثراء الزائل، وإذا كنت شخص إمكانياته المادية محدودة أو متواضعة، فإنك تكون قد انتقصت من قوت أولادك أو أسرتك، وأنفقت على ما يضر ولا ينفع.

 

خذ قرارك وحدد ذلك اليوم الذي ستقلع فيه عن التدخين، وتذكر أنك سوف تحتفل - العام القادم في نفس اليوم – بذكرى مرور أول عام على انفصالك عن رفيقتك السابقة، وبتحسن صحتك وحواسك، بعدما استعنت بالله سبحانه وتعالى واستخدمت إرادتك، وبعدما طلبت من أهلك وأصدقائك أن يساندوك، وكنت ومازلت تتجنب مرافقة أي مدخن كي لا تعود مرة أخرى لهذا الكابوس، بالإضافة إلى إلتزامك بنصائح الطبيب وتناول العلاج بانتظام.

 

كما ستتذكر في هذا اليوم تلك الورقة الكبيرة التي علقتها على الحائط الكبير بغرفتك، وكتبت عليها بنفسك " للتذكرة: أهلي وأحبابي لا يقوون على فراقي ويتعذبون عندما يرونني أتألم .. سأختار دائماً الرفيق قبل الطريق .. صديقتي الملعونة هي بداية طريقي إلى المخدرات .. لم تكن السيجارة يوماً رمزاً حقيقياً للرجولة ولا حتى المكانة الاجتماعية كما أرادت الدراما أن تقنعني، وكما أراد رفقاء السوء أن يدفعوني معهم كي لا يسيروا بطريقها المظلم وحدهم .. أتحدى أي سيجارة أن تكون أقوى مني أو من إرادتي .. سأتوقف عن التدخين مهما كلفني الأمر .. أخيراً سأتمكن من قول (وداعاً أيتها الملعونة لقد انفصلنا للأبد)".