أخبار عاجلة

«وداعاً يا صاحبة الجلالة»

الأحد 07 فبراير 2016 05:03:32 مساءً

فكرت كثيراً قبل أن أتخذ قرارى بترك المهنة التى عشقتها وكافحت و تحملت من أجلها الكثير من المتاعب، لن أتظاهر بالسعادة الزائفة فى سبيل أن أثبت أننى لا أبالى بفقدان شئ عزيز على قلبى، لا فأنا الآن قلبى يعتصر من شدة الألم لكونى فى تلك اللحظة أمام مفترق طرق، سأترك طريقاً سرت فيه لفترة طويلة صادقت الكثير فى تلك المهنة وصرنا أخوة، أكلنا وشربنا وفرحنا و اشتغلنا و اتخانقنا و اتصالحنا، دنيا بكل مشاعرها عشتها مع أصدقائى فى المهنة، أرجو من الجميع المعذرة فى حالة استخدامى لبعض الكلمات العامية فى ذلك المقال لأننى صدقاً أؤمن بأن للكلمات العامية شفافية أكثر من اللغة العربية الفصحى، حتى ضمن المشاعر اللى عشتها فى الصحافة أنى حبيت و اتحبيت بس بعد كدة أدركت أنه مش من اللطيف نهائياً أنك تحب صحفية.

 

و إليكم بعض الأسباب لتركى تلك المهنة التى أسميتها مهنة العظماء لمن سلك فيها طريق الحق و امتنع عن ما تقدمه من مغريات يسقط فيها أصحاب النفوس الضعيفة، ممن نلقبهم بـ " المطبلاتية" و "الأمنجية"، وصحفيين السبوبة، من أصحاب الدبلومات الفنية مع كامل تقديرى لكل شخص حاصل على دبلوم وعمل بما تعلمه .

 

أولاً ترغمك تلك المهنة على الابتسامة فى وجه مسئول ما و التعامل معه بطريقة مهذبة و تنتقى بعض العبارات أثناء حديثك معه حتى لا تخسر مصادرك، وحتى و إن كان شخصاً فاسداً و أنت تدرك تماماً أنه فاسد، فكل يوم كنت أعمل فيه بتلك المهنة كنت أشعر أننى أختنق من مجرد رؤية تلك الوجوه القبيحة لبعض المسئولين الفاسدين .

 

ثانياً تجد نفسك مضطر للتعامل فى بعض الأحيان مع رئيس تحرير أو رئيس قسم يعانى من اضطرابات نفسية أو مصاب ببرانويا العظمة، وماهو إلا مجرد خرتيتاً مقززاً بشعاً، تتمنى فى كل دقيقة تمر عليك أثناء العمل أن تبصق فى وجهه .

 

ثالثاً تتعامل مع زملاء لك فى العمل فى بعض الأحيان من أصحاب "الواسطة" ممن لا يجيدون سوى الأكل و الشرب و الثرثرة فى موضوعات تافهة و إرغامك على مشاركتهم، وتجد حينما تتقاضى راتبك هم الأعلى أجراً " طبعاً الواسطة والتجسس على الزملاء فى العمل مش ببلاش" .

 

رابعاً تدرك بعد فترة قصيرة أو طويلة أن الراتب اللى بتتقضاه مقابل شغلك أقل بكثير مما تقدمه، فتجد أنك بعد عدة سنوات بذلك الراتب لن تتمكن من أن تأسس حياة وعائلة فراتبك أضعف من أنه "يسترك لأخر الشهر" و المدهش أن الناس بتظن أنك من الأثرياء لكونك صحفى .

 

تلك هى الأسباب الخاصة لتركى مهنة الصحافة التى تمنيت فى يوماً من الأيام أن أصبح من أباطرة الصحافة فى مصر و الوطن العربى و على الصعيد العالمى أيضاً، أما عن الأسباب العامة لرفضى الاستمرار فهى .

 

أولاً أرى أن الكلمات الصادقة التى تهدف إلى مصلحة الوطن لم تعد مرغوباً فى سماعها أرى أن الجهل و الضعف و قلة الحيلة قد أصبحوا وحوشاً سرطاناً خبيثاً نهش جسد الأمة، أرى أن الحريات قيدت، أرى أن الوضع السياسى و الاقتصادى و الأمنى محزن، ولم نعد قادرين على المعارضة حيث أن السياسة التحريرية ترفض تلك الأخبار التى يصفها رئيس مجلس إدارة المؤسسة الصحفية بالهدامة، " بارك الله فيه و فى مشروعاته العملاقة "، أرى أنه لم يعد للمعارضة صوتاً أرى أن الفساد يخيم على كل شبراً فوق أرض مصر، أرى أننى ليس عليا الآن سوى الركوع أمام ذلك الفساد و أقدم فروض الولاء و الطاعة، لكننى لست قادراً على فعل هذا فلذا انسحب و أقبل بأن يقال أننى هزمت فى تلك المعركة على أن يقال عنى أننى مختل يسبح عكس التيار .

 

و السبب الثانى أتركه لمن سيترك تلك المهنة بعدى اعترف أننى لست بالجرأة الكافية لاستكمال عرض الأسباب، أما الآن وبعد عرض أغلب أسباب تركى العمل فى بلاط صاحبة الجلالة لا أجد سوى عبارة واحدة تتردد برأسى هى ... "و إلى الله أشكو " .