أخبار عاجلة

«تحمله على ظهرها».. «فرح» طفلة شرقاوية تعيش بقلب صنعه مجدي يعقوب

الجمعة 29 مارس 2019 10:25:00 مساءً

تستيقظ الصغيرة كعادتها كل يوم مسرعة للذهاب إلى المدرسة في الموعد، عيناها المليئتان بالفرح والحماس تداعب والديها قبل الخروج من البيت، أسماها أهلها "فرح" وهكذا كانت لهم دوما تنير منزلهم الدافئ الذي احتضنها مع شقيقها الأصغر، ترتفع ضحكتها البريئة بكلمات قليلة تحفزها بها مُعلمتها وسط زملائها، وتهرول قدماها الصغيرتان نحو "حمام السباحة" في يوم العطلة، وتعود في نهاية كل يوم لتروى على أمها ما حدث معها بوجه متبسم ضاحك.

 

المشهد السابق اختلفت ملامحه كثيرا بحلول يوم العاشر من سبتمبر عام 2017 الذي جاء حاملا تغيرا جذريا في حياة الطفلة "فرح أحمد"، عادت في نهايته تشكو إلى والدتها من ألم غير محدد أسبابه في المعدة التي أعلنت رفضها التام لأي طعام، بدأ على إثرها رحلة والديها في البحث عن طبيب أطفال "شاطر" لتفسير حالتها، ومن تخصص لآخر أجمع تشخيص الأطباء في النهاية على ضرورة خضوعها لعملية استئصال "الزائدة"، إلا أن جسدها الصغير أعلن رفضه لجرعة البنج لينقذها من تشخيص طبي خاطئ كاد أن يتسبب في استئصال جزء من جسدها لا علاقة له بشكواها، "لما فاقت كانت في حالة هيستيريا ودكتور الأطفال طلب أشعة على القلب"- بحسب تعبير الأم غادة حمدي.

 

"ثقب وتضخم في عضة القلب وارتجاع وريدين"، تشخيص عاجل وقع على الوالدين وقوع الصاعقة، دخلت بعده أسرة "فرح" في دائرة لا نهاية لها من طبيب لآخر جميعهم أكدوا أن الصغيرة تحتاج إلى زراعة قلب.

 

وبحسب حديث والدة فرح، فإن العملية لا يمكن إجرائها في مصر وحتى القلب الصناعي يبدأ زرعه من عمر الـ 13 فيما اقترح أحد أساتذة القلب في مصر على الأسرة الذهاب إلى "سلطان القلوب" الدكتور مجدي يعقوب، آملا في أن يجد لمرضها العضال حلا.

 

ومضت الأيام ثقالا على الأسرة يحلمون بلحظة العرض على الدكتور مجدي يعقوب، وكانت "فرح" على موعد معه في 11 من يناير من عام 2018، وكان في استقبالها رئيسة قسم التمريض الخاص بمركز القلب في أسوان "هدير خضر"، مرت ساعات الانتظار حتى أعلنت عقارب الساعة التاسعة مساء، موعد اللقاء عرضها على "البروفيسور"، تلك اللحظة التي استغرقت الأم "غادة" بضع ثوان لوصفها كما وقعت في حديثها وعادت لتقول، "أول ما شافها بصلها بابتسامة وهدوء قالها إزيك يا جميلة اسمك إيه؟"، وعاد ليرسل نظرة أمل إلى الأم التي كادت أن تفقد أعصابها من الخوف ،"بص ليا وقالي خير متخافيش".

 

وفي 15 فبراير 2018، كانت الطفلة على موعد مع غرفة العمليات بما فيها من أدوات وأجهزة يرهبها الكبير قبل الصغير، حملها الأطباء على سرير تجره عجلات سريعة حتى حال بينها وبين والديها باب كبير، قضت داخلها ساعات طويلة أراحت الأم "غادة" ظهرها على الأريكة أثناء حديثها " في منزلهم الذي انتقلوا للعيش فيه بمحافظة أسوان، لتصف الساعات التي قضتها صغيرتها داخل غرفة العمليات في الموعد الذي حدده "البروف" كما تلقبه في حديثها قائلة: "عقارب الساعة مكنتش بتمشي، التزمت بقراءة سورة البقرة وتصادف يومها نزول المطر على غير العادة في أسوان".

 

خرجت "فرح" من تحت أيدي "البروفيسور" الذي نجح في أن يبث الحياة في جسدها الضئيل مرة أخرى بزراعة جهاز قلب صناعي بديل لتبدأ بعدها مرحلة جديدة اختلفت كثيرا عن السابق، خضعت فيها لجلسات علاج طبيعي مكنتها من المشي مرة أخرى بعد أن اعتادت النوم في الفراش شهور عدة، وأصبح الجهاز المتصل من داخل جسدها بأسلاك معلقة بالخارج رفيقها الجديد.

 

"شنطة صغيرة معلقة على ظهرها تحمل داخلها الجزء الخارجي لجهاز القلب الصناعي المزروع داخلها والمتصل عبر أسلاك تخرج من إحدى جانبيها" أضحت رفيقا جديدا للطفلة "فرح"، بها تخلد إلى النوم وبها تذهب إلى المدرسة، وبها أيضا تمارس حياتها الطبيعية، "أول ليلة رجعنا البيت بالجهاز الجديد كنت خائفة لكن نفذت التعليمات اللي قالولي عليها في المركز ومن وقتها وأنا بتابع الجهاز وشحن البطاريات بشكل مستمر وكل فريق التمريض هناك لم يقصر معانا لحظة"- بحسب وصف الأم.

 

"المنقذ".. هكذا تلقب فرح الدكتور مجدي يعقوب، فالعلاقة بينهم ليست علاقة طبيب ومريضة فحسب، بل كثيرا ما التقطت معه صورا يظهر فيها وهو يداعبها بإنسانية، وفي يوم ميلادها الذي تصادف قدومه وهي داخل مركز القلب بأسوان أحضر لها هدية لا تزال تحتفظ بها الصغيرة في خزانتها الخاصة، "جابلي عروسة وتورتة وقالي كل سنة وأنتي طيبة يا فرح".

 

وبعد مرور أشهر على إجراء العملية الأولى من نوعها في الشرق الأوسط لهذه الفئة العمرية الصغيرة، اعتادت الأسرة على الوضع الجديد الذي أجبرت الأسرة من محل إقامتهم بمحافظة الشرقية إلى العيش في أسوان التي يقع بها مركز الدكتور مجدي يعقوب خوفا من تعرض الطفلة لتعب مفاجئ، وبدأت محاولات الأم "غادة" في البحث عن مدرسة تقبل بحالة صغيرتها، "قابلتني مشاكل كتير كل المدارس خافت تتحمل مسؤوليتها"، لتجد في نهاية رحلة البحث مدرسة أجادت استقبال الطفلة بمعاملة خففت عنها كثيرا ما هي عليه بشرط بقاء الأم طوال ساعات اليوم الدراسي بجوار ابنتها لترعاها، "بروح معها وبستناها طول اليوم عشان أنا الوحيدة اللي بقدر أتعامل مع الجهاز"، حسب قولها.

 

"تورتة كبيرة وزينة تملأ الفصل" كانت في استقبال الصغيرة في مدرستها الجديدة بأسوان، حرصت إدارة المدرسة على إعدادها لها خصيصا لتحفيزها وسرعان ما اندمجت بين اصدقائها الجدد، ولاحظ معلموها تقدما مستمرا في حالتها ودرجة استيعابها للمعلومات.

 

في منزلها الجديد بأسوان تأتي إليها معلمة اللغة الإنجليزية "ميرفت" تقضي معها وقتا إضافيا بعد اليوم الدراسي لمتابعة حالتها في المادة بشكل دائم، بمرور الأيام والأسابيع بدأت الصغيرة تستجيب وترافق أخيها الأصغر في المذاكرة.

 

وفي وصف المعلمة أثناء تواجدها بمنزل الطفلة فرح قالت،" حالتها بتطور بشكل كبير وبحاول طول الوقت أشجعها وبتتحسن"، مؤكدة أن الطفلة رغم الاختبار الصعب الذي مرت به ولا تزال إلا أنها تقاوم بقوة تضاهي الجبل في صموده.

 

في نهاية حديثها وجهت الأم "غادة" الشكر لكافة العاملين بمركز الدكتور مجدي يعقوب للقلب قائلة: "كل الدكاترة والتمريض مش هلاقي زيكم في انسانيتكم واهتمامكم والدعم النفسي لفرح وليا ووقوفكم جنبي في أشد الأزمات اللي مريت بيها".