أخبار عاجلة

«الإندبندنت ومان».. أم حسن «ماسحة الأحذية» تحلم بعضوية مجلس الشعب

الأحد 10 مارس 2019 06:45:00 صباحاً

الشرقية الآن - متابعات

مكبرات «التكاتك» تعلو بأغان المهرجانات.. آلات تنبيه السيارات تحتد تحقيرا لها.. تهليل الباعة الجائلين على بضاعتهم يبلغ منتهاه، وهى فى وسط ذلك تتربع القرفصاء أمام صندوق تلميع الأحذية الذى تملكه، بين صخب الشارع المحيط بها هادئة الملامح سارحة فى ملكوتها الخاص لا تبالى بمن حولها، فربما تتمنى أقدام الزبائن تخطو صندوقها لتلمعها وتسترزق من ورائهم فتلملم «فرشتها» سريعا وتنطلق لأولادها فتقضى بقية يومها بصحبتهم، وبمجرد أن يسدل الليل الستار عن سودته تعيد الكارة نفسها.
 
قضت أم حسن صاحبة الـ58 عاما، ما يقرب من نصف عمرها بمهنة تلميع الأحذية، والتى ألهمها الله العمل بها حين كانت مستغرقة التفكير فى شرفة منزلها البسيط بعد وفاة زوجها، تبحث عن باب رزق يسد أفواه صغارها الخمسة، وبينما هى مشتتة بين استغلال دبلوم التجارة الحاصلة عليه بوظيفة ما أو العمل الحر والتى تراه يجلب لها أموالا أكثر من الشهادة، لمحت دكانا صغيرا لتصليح الأحذية؛ يجلس داخله جارها وبين يديه فردة حذاء يلمعها ببراعة شديدة، (فلم تكذب خبرا) وفرت إليه لكى يعلمها دهاليس «الشغلانة».
 
كانت تملك سرعة البديهة فتعلمت من الوهلة الأولى ما شرحه جارها عن المهنة، ومن الحذاء الثانى أخذته منه لتلمعه بنفسها، لينبهر بفعلها ويدلها على مكان شراء الأدوات اللازمة لها، «صندوق خشبى صغير، فرشاة تلميع، علب الورنيش» لوازمها التى توجهت إلى ميدان رمسيس لشرائها، وبدأت حكاية مشروعها الخاص.
 
تساؤلات عديدة جالت بخاطرها كانت تدفع قدميها للخلف؛ فكيف لها أن تقف فى الشارع وسط أعين الرجال بينما هى شابة فى الثلاثينات من عمرها، والأدهى أنها تشغل مهنتهم وتقاسمهم الرزق، فهى تدرك عين اليقين أنها السيدة الأولى التى تقوم بذلك الفعل الجنونى كما تراه حينها، ولكن رغبتها فى تربية صغارها جعلتها تخطو للأمام ملقية كلام الناس وتخوفاتها منهم على قارعة الطريق.
 
سلم ناهيا بمنطقة أرض اللواء كان قبلتها الأولى، حيث أرجل المارة الكثيرة التى ترتاده طوال اليوم، جلست أم حسن وحولها رجال يعملون بمسح الأحذية، لتنهال أعينهم الثاقبة الموجهة لها ولحظة إدراكهم بأنها ستنافسهم انقضا عليها بعبارات تستهين بها وأجبروها على الرحيل من المكان المخصص لهم كما يدعون، فدفعها الخوف منهم للهروب ولجأت إلى سلم بولاق الدكرور ليتكرر الفعل ذاته ويركل أحدهم معداتها برجليه.
 
ولم يكن جارها الوحيد الذى مد لها يد العون، فصاحب محل العصير بشارع السودان الذى وافق أن تجلس بجواره بعد الاضطهاد الذى واجهها باليوم الأول الملهم الثانى لها، حيث ظلت تلمع أحذية المارة بجواره لمدة 18 عاما دون أن يضجر منها، بل كانت تتطمئن على أولادها من خلال التليفون الأرضى لديه، وحين شاء القدر غادرت المكان لإحدى المناطق.
 
«اللى كانوا بيتريقوا عليا ويهاجمونى بقوا زباينى» هكذا شفى غليلها كما قالت أم حسن خلال حديثها، فنجحت فى أن تجلس فى الشارع دون أن يمسها أحد بكلمة تقلل من شأنها فكرامتها كانت الأهم بالنسبة لها، حتى أن بعض النساء ممن يرونها جالسة تمارس تلك المهنة الغريبة عليهن؛ عرضن عليها العمل كخادمة بمنازلهم فرفضت لأنها تحب أن تكون حرة نفسها دون أن يصدر أحد الأوامر ويجبرها على فعلها.
 
أما عن أولادها فأبت عملهم منذ صغرهم وكان طلبها الوحيد منهم إنهاء شهادتهم الجامعية بتفوق، حيث ابتسمت مازحة: «الناس مش هتصدقنى لو قلت إن ولادى الخمسة فى كليات قمة»، فلديها ولدان بكلية الهندسة وآخر بسياحة وفنادق، وابنتها بكالوريوس تمريض.
 
والصدمة الكبرى أو الصفعة التى تصعق كل من يشكو الظروف وهو غارق فى رفاهيات الحياة بالنسبة لها، حققت أم حسن حلمها منذ أن حصلت على دبلوم التجارة قبل الزواج، فالتحقت بكلية الخدمة الاجتماعية الجامعة المفتوحة لكى تصبح فى مستوى أبنائها الذين قروا عينيها بدرجات علمية لم يكن أحد أن يتخيل أن مهنتها البسيطة سوف تقودهم لتك المراحل.
 
كما كرمت كأم مثالية على مستوى محافظة الجيزة عام 2015، وعن تلك الحدث فى حياتها علقت: «كنت طايرة من الفرح والرئيس بيكرمنى وأول كلمة قلتها للسيسى نفسى أكون نائبة فى مجلس الشعب عشان أساعد الغلابة اللى زيى بس معييش فلوس للدعايا».
 
«إيمان بائعة الجرائد» تعاون زوجها من أجل «لقمة العيش»
 
تجلس «إيمان» بجوار زوجها على «فرشة» لبيع الجرائد والحلوى والمياه الغازية فى موقف عبد المنعم رياض بشوشة الوجه رغم ماتتحمله طوال فترة يومها من عناء يستمر معها حتى بعد ذهابها إلى المنزل، حيث إنها تعمل برفقة زوجها لتخفف عنه عناء اليوم من خلال اقتسامها معه العمل والشقاء لتسانده طوال فترة ضغط العمل نتيجة لكثرة المارة والركاب والسائقين بالموقف التى تألفت وجوهم لديهما نتيجة للروتين اليومى الذى يتكرر معهما مُنذ فترة تواجدهما بالموقف.
 
«الست فى البلد دى مش واخدة حقها، وكل الستات فى مصر شقيانين»، هكذا بدأت «إيمان»، صاحبة الـ45عامًا، حديثها، حيث إنها ترى أن المرأة المصرية على الرغم الاحتفاء بها فى كثير من المناصب القيادية والاحتفال بالمناسبات الخاصة بها من كل عام، إلا أنها ترى أن الزوجة والسيدة المصرية الكادحة تحتاج إلى الدعم والنظر إليها بعين الشفقة والرحمة، حيث إنها تعانى كل يوم كى توفق بين عملها مع زوجها فى بيع الجرائد والحلوى والسجائر بالموقف بميدان التحرير، فضلًا عن عملها بالمنزل وذلك لاهتمامها بتعليم أبنائها وعدم تعطيل دراستهم فى مساعدتها فى الأعمال المنزلية.
 
7سنوات، هى المدة التى رافقت الزوجة الأربعينية زوجها فى الموقف حتى تساعده فى مهام عمله، وذلك جاء نتيجة لضغط الحياة المعيشية عليهما خصوصًا بعد وصول أبنائهما إلى مراحل تعليمية تحتاج إلى كثير من المصروفات فضلًا عن الاحتياجات اليومية التى يتطلبها المنزل: «كان لازم أنزل أقف معاه، أينعم الوقفة فى الشارع مش عاجبنى بس لازم نرضى بالحال».
 
تحكى «إيمان» أنها ظلت تساند زوجها حتى عندما كانت ربة منزل فقط، خلال فترة تواجده بالموقف والتى دامت مايقرب من 40عامًا، وذلك من خلال دعمها له على الرغم من أن زوجها حاصل على دبلوم تجارى ولكنه لم يعمل به فى إحدى الوظائف وذلك نظرًا لظروف وحالة العمل بمصر: «كل حاجة فى البلد محتاجة وساطة لو عايزة تتعالجى بوسطة حتى الشغل بوسطة، والعمل الحر متعب يوم فيه ويوم مفيش».
 
«لو الحياة ميدينى فرصة أحسن كنت أقعد فى بيتى معززة مكرمة ولا الحوجة أنى أنزل الشارع»، هكذا عبرت الزوجة الأربعينية عن امتعاضها من الوضع التى وجدت نفسها عليه إجبارًا وليس اختيارًا، حيث إنها كانت تريد الاستقرار فى منزلها بعد الزواج وعدم الاحتياج إلى العمل، أو إمكانية التقلد فى وظيفة تناسب مؤهلها فوق المتوسط كونها حاصلة على معهد تجارى، ولكنها سعت كثيرا ولم تجد فرصة عمل جيدة.
 
تقابل «إيمان» مع شريك حياتها الكثير من المواقف والعقبات نتيجة لتواجدهما فى الشارع بصفة دائمة، حيث أكثر ما يؤرقها هو احتكاك الحى بهما، على الرغم من حصولهما على ترخيص مُنذ فترة تواجد زوجها بالموقف، ولكن لم يحصل على تجديده حتى الآن: الوقوف فى الشارع فى حد ذاته عقبة بالنسبة ليا، ولو هطالب بحقى لازم اترحم من قعدة الشارع لأنها إهانة.